إنّه المأزق: إمّا فرنجية وإمّا… ماذا؟
لا يتصوَّر مؤيدو وصول رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية إلى قصر بعبدا، عدم وصوله. ولا يتصور معارضو وصوله أن يشاهدوه رئيساً في القصر. إنّه المأزق، ويصعب إيجاد توصيف له أقل من هذا التوصيف.
رئيس «تيار المردة» ليس مرشحاً منذ اليوم، بل منذ سبعة أعوام، وتحديداً عام 2016، حين وصف الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله كلاً من العماد ميشال عون والوزير السابق سليمان فرنجية بأنهما «هيدي عين وهيدي عين»، منذ ذلك التاريخ، لم تتغيَّر نظرة «حزب الله» إلى «العينتين».
إنتظر سليمان فرنجية ستة أعوام، على رغم أنّ الرئيس سعد الحريري طرح ترشيحه عام 2014. لكن «حزب الله» لم يتراجع عن تأييد العماد عون. استمر الشغور الرئاسي سنتين وستة أشهر، إلى أن اقتنع الجميع، في الداخل، أن لا رئيس جمهورية ما لم يكن العماد ميشال عون هو الرئيس، فكان ما كان وانتخب الجنرال، وجلس سليمان فرنجية «مجدداً» على مقاعد الإنتظار.
نقول «مجدداً» لأنّ فرنجية كان متقدماً أيضاً عام 2008، لكن 7 أيار ومؤتمر الدوحة، ساهما في رفع أسهم العماد ميشال سليمان، فتراجعت أسهم فرنجية، لكنه لم يُدرِك انه سيتراجع مرة ثانية عام 2016، وها هي المرة «الثالثة» التي يريدها أن تكون»ثابتة»… ولكن.
بين 2016 و2023 تغيَّرت الدنيا:
زمنياً، دخلنا الشهر السابع على الفراغ الرئاسي، وليس في الأفق ما يشير إلى أنّ الفراغ وصل إلى خواتيمه، فهناك جملة معطيات تؤشر إلى أنّ التعقيدات ما زالت قائمة، فانتخابات الرئاسة في لبنان لم تكن يوماً شأناً لبنانياً داخلياً فقط، بدليل انتخاب العماد ميشال عون وقبله العماد ميشال سليمان وقبله العماد إميل لحود وقبله الرئيس الياس الهراوي، فلماذا تكون الانتخابات اليوم استثناءً، في الوقت الذي يزداد فيه التأثير الخارجي على الداخل اللبناني؟
هذا الخارج له أولوياته، وليس من بينها لبنان حتى الساعة: من انجاز الاتفاق السعودي الايراني الذي في رأس اولوياته اليمن، إلى الوضع السوري الذي يفرض نفسه بنداً أساسياً على القمة العربية هذا الشهر، وأخيراً وليس آخراً تداعيات حرب السودان.
خطورة ما يجري أنّ الألغام في طريق الانتخابات الرئاسية، داخلية بمقدار ما هي خارجية: ليس بالإمكان الإستخفاف، على الإطلاق، بالفيتوات الداخلية. حصل ذلك في ثمانينات القرن الماضي حين وضع العماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع، وضمناً الرئيس أمين الجميّل، الفيتو على انتخاب النائب مخايل الضاهر الذي حمل اسمه المبعوث الأميركي ريتشارد مورفي من دمشق، تحت عنوان: «إمّا الضاهر وإمّا الفوضى». طار الضاهر، والبقية يعرفها الجميع.
ولإنعاش الذاكرة، كان مورفي قد حمل إلى دمشق أسماء وضعها البطريرك نصرالله صفير، وليس فيها اسم الضاهر، لكن القيادة السورية لم تختر أي اسم منها بل سمَّت الضاهر.
اليوم يكاد التاريخ أن يعيد نفسه، مع المكوِّنات السياسية والحزبية ذاتها تقريباً. هناك فيتو ثلاثي على سليمان فرنجية: من «التيار الوطني الحر» ومن «القوات اللبنانية» ومن حزب «الكتائب». هذه المكوِّنات سبق أن وضعت فيتو على مخايل الضاهر وأطاحت وصوله إلى قصر بعبدا، فلم يكن الأمر فقط «إما الضاهر وإما الفوضى»، بل «إما الضاهر وإما… الطائف».
اليوم، وبعد خمسة وثلاثين عاماً على هذه الواقعة، ماذا سيكون عليه الشعار الجديد، «إما فرنجية وإما… ماذا»؟
جان الفغالي- نداء الوطن