العِقَد على حالها… لا متغيّرات جوهرية وجنبلاط ثابت في الوسط!
خلافاً للاستحقاق اللبناني العالق في عنق الاصطفافات الحادة، يشهد الإقليم تطورات متسارعة تحصل بطبيعة الحال على وقع التفاهم السعودي – الإيراني الذي ينهي غداً، اختباره الأول بمرور شهرين على توقيعه في العاشر من آذار الماضي. وما عودة سوريا إلى الجامعة العربية إلّا واحد من تجليات هذا الاتفاق، على ما يصرح مصدر دبلوماسي مواكب للحراك الاقليمي.
ويؤكد أنّ للعودة إلى الجامعة العربية رمزية سياسية، تصطدم فعاليتها بالعقوبات التي لا تزال مفروضة على سوريا، وتحديداً من الجانب الأميركي. لكنّ البوابة التي سعت ونجحت السعودية في إحداثها في جدار الحصار الدولي من خلال فكّ العزلة العربية، تتيح فتح مسارات تفاوضية مع سوريا، بشكل علني ورسمي، من شأنها أن تساهم مع الوقت في التخفيف من حدّة الطوق الاقتصادي والمالي المفروض على سوريا. ويضيف أنّ هذا القرار، والذي تمّ التوصل إليه خلال اجتماع وزراء الخارجية العرب الذي عقد في عمّان، ثبّت الموقع القيادي للسعودية التي تمكنت من فرض الإجماع العربي لعودة سوريا وتذليل الاعتراضات التي كانت تسجلها بعض الدول العربية. كما أنّ هذه العودة تتيح للبنان وضع كلّ القضايا الاشكالية على طاولة النقاش الرسمي، من ملف النازحين إلى ملف الحدود وبينهما قضايا الترانزيت وغيرها… خصوصاً وأنّ لبنان عضو في اللجنة العربية التي تمّ تأليفها لمواكبة مسار حلّ الأزمة السورية. كما أنّ هذا القرار، وفق المصدر، هو دليل إضافي على أنّ مندرجات التفاهم السعودي – الإيراني تسلك طريقاً مفتوحاً، حيث تبيّن أنّ «الخدمات التسهيلية» التي قررت ايران تقديمها للسعودية في اليمن، قد تُقابل بخدمات تسهيلية قررت السعودية تقديمها لإيران في سوريا من خلال كسر الطوق المفروض عليها، ولو بالحدّ الأدنى نظراً للعقوبات التي تحول حتى اللحظة دون دخول أي استثمار كبير الى السوق السورية.
ويرى المصدر الدبلوماسي أنّ المؤشرات الأولية تظهر أنّ أول انعكاسات تفاهم بكين، ظهر في اليمن وسوريا، بشكل يعكس مرونة من جانب الإيرانيين في تكريس منطق الشراكة في تقاسم النفوذ.
رادار التفاهم
أمّا لبنان فلم يُرصد إلى الآن على رادار هذا التفاهم. وباستثناء الجولة التي قام بها السفير السعودي وليد البخاري على القيادات والمسؤولين اللبنانيين والمواقف التي أطلقها، لم تسجل الأحداث المحلية، أي تطور جديد من شأنه أن يشي بإمكانية تحقيق خرق في الملف الرئاسي. لا بل يؤكد المتابعون أنّ مجمل المواقف لا سيما من الجانبين الأميركي والسعودي، معطوفة على الستاتيكو الداخلي، تؤكد أنّ إطالة أمد الشغور هو السيناريو الوحيد المحتمل، حتى الآن.
ويشيرون إلى أنّ الدعوات الدولية التي أطلِقت خلال الأيام الأخيرة، في العلن وفي الغرف المغلقة، لإنجاز الاستحقاق سريعاً وقبل حزيران تحديداً، تصبّ في مصلحة مرشح من الفئة الثالثة، طالما أنّ الاعتراضات تكبّل الترشيحات الموضوعة على الطاولة، خصوصاً وأنّ التمايز بين واشنطن وباريس لم يعد خفياً. لا بل لا تتردد السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا في إبلاغ من يلتقيها بأنّ بلادها لا تتبنى أداء الإدارة الفرنسية في مقاربة الاستحقاق اللبناني لا سيما لجهة تبني الأسماء، أي سليمان فرنجية.
ويذهب هؤلاء إلى حدّ الإشارة إلى أنّ الركون إلى تزكية ديفيد هيل اسم فرنجية في العام 2014، لاستنتاج عدم ممانعة الإدارة الأميركية الحالية لترئيسه، فيه شيء من المبالغة خصوصاً وأنّ خطوة هيل كانت في تلك الفترة ووفق المعلومات بمبادرة شخصية منه، ومن دون تنسيق مع إدارته.
وبالتفصيل، يؤكد المتابعون أنّ المشهدية اللبنانية لا تزال على حالها:
فقوى المعارضة في حال تشاور كثيف في محاولة جديدة لتبني ترشيح جديد قادر على تخطي سكور النائب ميشال معوض، وذلك من باب التصدي للاتهامات التي تلقى على عاتق هذه القوى تحت عنوان أنّها عاجزة عن النزول إلى البرلمان لمواجهة ترشيح سليمان فرنجية، بترشيح مضاد. لكن هذا السيناريو لا يزال يواجه عقبة أساسية وهي عدم رغبة النواب السنة في الإنضواء في هذا الاصطفاف، وقد استفاد هؤلاء من رفع السعودية «الحرم» عن كل الترشحيات، وعدم رغبتها في الانخراط في لعبة الأسماء، سواء تلك المحسوبة على قوى الثامن من آذار أو على خصومها، أو على مَن ما بينهما، لكي يمكثوا في المنطقة الرمادية الوسطى. وهذا ما يجعل مشروع توحيد ترشيحات المعارضة، معرضاً للتعطيل.
لقاء بري – جنبلاط
في المقابل، لم يأت اللقاء الذي جمع مساء يوم الأحد، رئيس مجلس النواب نبيه بري برئيس «الحزب التقدمي» وليد جنبلاط بخرق جديد، ذلك لأنّ الأخير لا يزال على موقفه. فهو يحاذر تخطي حاجز رفض القوى المسيحية لترشيح فرنجية، ويفضّل أن يكون آخر مستقلّي قطار القطب الزغرتاوي، خصوصاً وأنّ الاشتراكيين لم يلمسوا تغييراً جذرياً في مواقف السعودية قد تدفعهم إلى إعادة النظر بموقفهم.
لا بل يرى هؤلاء أنّ الرياض لم تعط ضوءاً أخضر باتجاه فرنجية، حتى لو رفعت الفيتوات، لكنها لم تنخرط بشكل جدي في تسوية انتخابه لتكون شريكة في الدعم المالي، وهو شرط لا بدّ منه لكي ينتقل أعضاء «اللقاء الديموقراطي» من ضفّة إلى أخرى. وحتى الآن، لا متغيّرات جوهرية بنظرهم، قد تدفع بهم إلى تليين موقفهم.
بالنتيجة، يقول بعض المواكبين للملف الرئاسي، إنّ القوى اللبنانية قررت الركون إلى لعبة الوقت. الكلّ يعتقد أنّها ستكون لمصلحته: «الثنائي الشيعي» مقتنع أنّ تطورات المنطقة سترفع من منسوب نفوذه وبالتالي سترجّح كفّته الرئاسية، والعين طبعاً على جبران باسيل. غير أنّ بعض عارفي الأخير يؤكدون أنّ انقلابه على موقفه الرافض لفرنجية، سيكون بمثابة حكم بالإعدام السياسي بحق نفسه، لكثير من الأسباب، ومهما كان حجم الضمانات التي ستوضع أمامه.
بالتوازي هو يعتبر أنّ الوقت سيعيد إحياء قناة الحوار بينه وبين «حزب الله» للاتفاق على اسم ثالث في حال استنفد فرنجية فرصته، خصوصاً وأنه يعتقد أنّ الرهان على «سحب» بعض من نواب «تكتل لبنان القوي» فيه الكثير من المخاطرة، لأنّ هؤلاء مهددون بشيطنتهم في البيئة العونية في حال فعلوها… فكيف الحال اذا لم يتأمن غطاء اقليمي للتسوية الرئاسية؟ وهذا الغطاء لا يزال غير متوفر.
كلير شكر- نداء الوطن