كيف سترد أمريكا على خطوة إعادة الأسد للجامعة العربية التي نفذها حلفاؤها رغم أنفها؟
جاءت عودة سوريا إلى الجامعة العربية، رغم الاعتراضات المتكررة من الولايات المتحدة لتمثل خطوة رمزية في اتجاه إنهاء العزلة المستمرة منذ عقد من الزمن على نظام مسؤول عن مقتل أكثر من 300 ألف مدني وتشريد الملايين نتيجة حرب وحشية.
وقرر وزراء الخارجية العرب، الأحد 7 مايو/أيار 2023، استئناف مشاركة وفود حكومة النظام السوري في اجتماعات مجلس جامعة الدول العربية وجميع المنظمات والأجهزة التابعة لها اعتباراً من يوم صدور القرار.
وقال الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، الأحد 7 مايو/أيار 2023، بعد عودة سوريا إلى الجامعة العربية إن رئيس النظام السوري بشار الأسد يمكنه المشاركة في القمة العربية المقررة في السعودية خلال شهر مايو/أيار 2023،”إذا ما رغب”، وذلك بعد تصويت وزراء خارجية الجامعة العربية لصالح عودة سوريا، بعدما ما علقت الجامعة أنشطة سوريا في 2011 بعد اندلاع الحرب الأهلية هناك.
في المقابل، دعت سوريا الدول العربية الأحد، لإظهار ما وصفته بـ”الاحترام المتبادل”، وذلك بعدما صوتت الجامعة العربية على إعادة سوريا إلى عضويتها بعد مرور أكثر من عشر سنوات على الحرب الأهلية السورية.
وقالت وزارة الخارجية السورية في بيان: “المرحلة المقبلة تتطلب نهجاً عربياً فاعلاً.. يستند إلى الحوار والاحترام المتبادل”. وأكد البيان “أهمية الحوار والعمل المشترك لمواجهة التحديات التي تواجه الدول العربية”.
أبرز حلفاء واشنطن هم الذين دفعوا إلى عودة سوريا إلى الجامعة العربية
وصرح وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، في حديث لـ CNN الأمريكية، يوم الخميس 4 مايو/أيار، بأنَّ الأردن أبقى الولايات المتحدة مطلعة على جهوده لإعادة بناء العلاقات مع النظام.
وقال مسؤولون ومحللون إنَّ عودة سوريا إلى الجامعة العربية، رغم كونها رمزية، تأتي على أمل تمهيد الطريق لإعادة تأهيل الرئيس بشار الأسد دولياً، وربما رفع العقوبات المُعوِّقَة المفروضة على نظامه، حسبما ورد في تقرير لشبكة CNN الأمريكية.
ويعتقد أن عودة سوريا إلى الجامعة العربية جاءت مدفوعة بضغط من السعودية والإمارات ومصر أكبر حلفاء لأمريكا في الشرق الأوسط، وكذلك الأردن البلد القريب بشكل خاصة من إدارة بايدن، بينما كانت قطر والكويت متحفظتين في البداية، رغم أن قرار عودة سوريا إلى الجامعة العربية صدر دون الإعلان عن أي تحفظ في ظل تأييد أغلبية الأصوات للقرار على ما يبدو.
وقال الصفدي: “لكي نتمكن من إنهاء (الأزمة) حقاً، علينا التأكد من أنَّ المجتمع الدولي بأسره مشترك؛ لأنه في نهاية المطاف هناك عقوبات أوروبية وأمريكية مفروضة عليه، وستكون هناك حاجة هائلة لجهود عالمية لإعادة الإعمار”.
وأمريكا تشدد على موقفها بعدم التطبيع مع الأسد
لكن هذا الأسبوع، أوضح نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية فيدانت باتيل، أنَّ واشنطن ليست على استعداد لمثل هذه الخطط. وقال باتيل، في إفادة لوزارة الخارجية الأمريكية في واشنطن العاصمة، إنَّ الولايات المتحدة “لن تُطبِّع العلاقات مع نظام الأسد، كما أننا لا ندعم تطبيع الآخرين علاقاتهم مع دمشق”.
وأضاف باتيل: “أوضحنا ذلك بقوة لشركائنا. وتعتقد الولايات المتحدة أنَّ الحل السياسي المنصوص عليه في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 هو الحل الوحيد القابل للتطبيق لهذا الصراع في سوريا”.
ويدعو القرار رقم 2254 لخارطة طريق لعملية السلام في سوريا من خلال المحادثات التي تيسرها الأمم المتحدة بين الحكومة السورية وأعضاء المعارضة.
الدول العربية لا تستطيع تحمل استمرار تدفق المخدرات من سوريا
وجادلت الدول العربية بأنَّ الوضع الراهن في سوريا غير محتمل، وتسبب لهم في حدوث صداع لها.
وتحولت سوريا على مدى العقد الماضي إلى دولة مخدرات، حيث تصدر الأمفيتامينات المسببة للإدمان عبر الحدود إلى الأردن والمملكة العربية السعودية.
وصار مخدرٌ الكبتاغون الذي يُسبب الإدمان بمثابة شريان حياة للاقتصاد السوري طوال عقدٍ من العزلة، ثم تحوّل اليوم إلى ورقةٍ للمساومة في يد النظام السوري -بالتزامن مع محاولته تطبيع علاقاته مع الدول المجاورة، حسبما ورد في تقرير سابق لشبكة CNN الأمريكية.
إذ يُعَدُّ الكبتاغون من العقاقير المخدرة المجهولة نسبياً خارج منطقة الشرق الأوسط، لكنه ساعد سوريا على التحول إلى دولة عظمى للمخدرات، وذلك عقب انقطاع علاقاتها الاقتصادية مع المجتمع الدولي نتيجة قمع نظام الأسد الوحشي لانتفاضة عام 2011.
في الصيف الماضي، كشف عن تورط نظام الأسد في أكبر عملية تهريب في العالم بلغت قيمتها نحو مليار دولار، حيث كشف محققون في إيطاليا عن وجود صلة بين رجل أعمال إيطالي ونظام الأسد في سوريا، بعد العثور على 84 مليون قرص كبتاغون (14 طناً)، كانت على متن حاويات مشحونة إلى البلد الأوروبي في 2020، وفقاً لما كشفه تقرير نشرته صحيفتا Domani الإيطالية وMediapart الفرنسية في يوليو/تموز 2022.
وسبق أن قدّر خبراء في الكبتاغون أن حجم التجارة في هذا العقار المخدر التي يقودها النظام السوري وحلفاؤه بلغت 5.7 مليار دولار عام 2021.
وقالت وزارة الخارجية البريطانية إن 80% من إمدادات العالم من هذا المخدر تُنتَج في سوريا وتشحن من ميناء اللاذقية. وانتشرت صور ضبط شحنات الكبتاغون المخبأة في الرمان وسلع أخرى على الإنترنت.
ويعود الكبتاغون بأرباح على نظام الأسد تفوق حجم ميزانية سوريا بثلاثة أضعاف، وفق مسؤولين أمنيين.
السعودية يبدو أنها قد تخلت عن شروطها السابقة للتطبيع مع الأسد ورفع الفيتو عن عودته للجامعة العربية، والتي كان أغلبها يتعلق بخروجه من الفلك الإيراني وتخفيف قبضة حزب الله على لبنان أو الحوار مع المعارضة السورية، لتطرح شرطاً أكثر إلحاحاً بالنسبة لها وهو وقف تدفق المخدرات السورية التي تهدد شبابها.
ورجّح المحللون أن تحظى مسألة الكبتاغون بأولويةٍ كبيرة على جدول الأعمال خلال محاولات التطبيع السعودي مع نظام الأسد، في ظل حديث عن احتمال دعوة الرياض للأسد لحضور القمة العربية القادمة المقرر بالمملكة في شهر مايو/أيار الجاري بعد 11 عاماً من تجميد أنشطة سوريا بالجامعة العربية عقب قمع النظام للثورة السورية.
وتوصف السعودية بأنها أصبحت عاصمة استهلاك المخدرات في الشرق الأوسط، خاصة الكبتاغون، حيث أصبحت عمليات ضبط الكبتاغون روتينية داخل المملكة العربية السعودية، خاصة أنها صغيرة الحجم وسهلة الصنع، وتُصنّع على نطاق واسع في سوريا ولبنان في ظل تزايد الطلب عليها في السعودية.
ويمثل الأردن ممر العبور للكبتاغون إلى السعودية، وكان لبنان ممراً آخر للتهريب عبر إخفاء الكبتاغون في المنتجات المصدرة للخليج، وفي أبريل/نيسان 2021، حظرت السعودية دخول الفواكه والخضر من لبنان بسبب تهريب المخدرات.
وتخوض السلطات الأردنية معارك يومية عبر مركزي نصيب وجابر وأيضاً عبر الحدود البرية المفتوحة مع سوريا.
في ظل غياب ما يرون أنه عدم إحراز تقدم من جانب المجتمع الدولي في جهوده لإنهاء الحرب هناك، أصرت الدول العربية على إيجاد حل إقليمي، حتى لو كان ذلك يعني تحقيق السلام مع زعيم اتُّهِم نظامه بارتكاب جرائم حرب فظيعة، حسب وصف تقرير الشبكة الأمريكية.
وقال وزير الخارجية الأردني، لشبكة CNN، إنَّ العالم العربي يتولى الآن زمام المبادرة في حل الأزمة السورية، حيث “لم يكن هناك جهد فعال” حتى الآن لتحقيق ذلك.
وقال الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية حسام زكي، في مقال رأي، يوم الأربعاء 3 مايو/أيار، في صحيفة “عرب نيوز” السعودية، إنَّ قمة 19 مايو/أيار “خطوة على طريق إيجاد الحلول العربية للمشكلات والأزمات العربية وتفعيلها”.
هل ترد الدول الغربية على قرار عودة سوريا للجامعة العربية؟
عودة سوريا إلى الجامعة العربية “تمهد الطريق للدول الأعضاء التي ربما كانت تُحجِم عن الانخراط مباشرةً مع نظام الأسد. وتجعل من السهل أيضاً على الدول غير الأعضاء؛ مثل تركيا وغيرها، أن تجادل بأنَّ هناك تسوية مؤقتة جديدة متاحة”، حسبما يقول إتش.إيه هيلر، الباحث في شؤون الشرق الأوسط في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي وجامعة كامبريدج، لشبكة CNN.
وتقول الأمم المتحدة إنَّ مستويات الفقر وانعدام الأمن الغذائي التي يواجهها السوريون اليوم غير مسبوقة. ويُقدِّر برنامج الأغذية العالمي أنه حتى عام 2022، يعاني أكثر من 12 مليون سوري -أي أكثر من نصف سكان البلاد- من انعدام الأمن الغذائي.
ومن غير الواضح ما إذا كانت الولايات المتحدة ستقف في طريق جهود الدول العربية لإعادة سوريا إلى الحظيرة الإقليمية. وقال الصفدي لشبكة CNN إنَّ الأردن ودولاً عربية أخرى تناقش الأمر باستمرار مع واشنطن وتعمل من أجل حل يتوافق مع قرار الأمم المتحدة رقم 2254.
ويستبعد محللون أن تترجم الدول الغربية اعتراضها على تطبيع العلاقات مع سوريا إلى أي نوع من الإجراءات ضد الدول العربية، مستشهدين بقضايا دولية أخرى لها الأولوية، فضلاً عن التعب من الملف السوري.
قال هيلر: “لن تستخدم الولايات المتحدة حق النقض ضد حلفائها عندما يتعلق الأمر بالتطبيع مع الأسد؛ فالإرادة السياسية لمثل هذه الخطوة غير موجودة في واشنطن، لا سيما أن هناك العديد من الملفات الأخرى التي تستهلك طاقة الولايات المتحدة، سواء في (الشرق الأوسط)، أو على نطاق أوسع على الصعيد الدولي، مع أوكرانيا وقضايا أخرى”.
على الصعيد الأمريكي، استبعد قتيبة إدلبي، زميل غير مقيم في المجلس الأطلسي في واشنطن العاصمة، أن يجلب التطبيع الأمريكي مع نظام الأسد أية منافع لإدارة بايدن، سواء من ناحية السياسة الخارجية أو الأمن، وبالتالي لن تسعى لتحقيقه، خاصةً قبل الانتخابات الرئاسية العام المقبل. وجادل بأنَّ التطبيع العربي يمكن أن يُنظَر إليه من منظور إيجابي في واشنطن على الرغم من اعتراضاتها العلنية لأنه “يعزز القيادة الإقليمية في قضايا المنطقة”.
هل يفيد القرار نظام الأسد من الناحية الاقتصادية؟
ومع ذلك، نظراً للنطاق الواسع للعقوبات المفروضة على نظام الأسد، فمن المرجح أن يمنح التطبيع سوريا شريان حياة سياسياً أكثر منه اقتصادياً، على الأقل إلى أن تتمكن الدول العربية من إقناع المجتمع الدولي باحتضان الرئيس السوري. لكن يقول المحللون إنها خطوة سيصعُب إقناع المجتمع الدولي بها أو تحديداً الدول الغربية.
وفي السياق ذاته، علّق تشارلز ليستر، الزميل البارز في معهد الشرق الأوسط في واشنطن العاصمة، قائلاً إنَّ العقوبات تركت واشنطن وحكومات الاتحاد الأوروبي “مكبلة الأيدي”؛ مما وضع عائقاً قانونياً أمام التعامل مع النظام.
وقال ليستر لشبكة CNN: “بينما نراقب هذه التحركات الإقليمية، التي تعتبر على الأقل ذات أهمية رمزية، لا أعتقد أننا سنشهد أكثر من مجرد اتصال سياسي. لن نشهد بالتأكيد بعض التحول الكبير نحو الاستثمار في سوريا.. ولن يكون أي من ذلك ممكناً بدون الدعم الدبلوماسي والاقتصادي الغربي. وهذا غير مطروح نهائياً”.
عربي بوست