التهديد بالفيدرالية رفضاً لفرنجية.. لا يوحّد المسيحيين على بديله
في أكثر من محطة ومناسبة، خرجت أصوات على الساحة اللبنانية داعية إلى الفيدرالية أو التقسيم. صحيح أن “الفيدرالية” هي صيغة اتحادية لمجموعة كيانات، أو تنبع من إرادة مجتمعات متنوعة تلتقي على إنشاء اتحاد جامع، يصبح هو النظام المعتمد في دولة معينة. ولكن من أبرز مقومات الفيدرالية هو الاتفاق بين مكوناتها على سياسة دفاعية وخارجية موحدة، وعملة موحدة، مع ما تحتاجه هذه إلى سياسة مالية موحدة. وهاتان النقطتان المركزيتان في أسس الفيدرالية هما المختلف عليهما في لبنان. وبناء عليه، فإن أي طرح من هذا النوع في الوضعية اللبنانية يمكن أن يستخدم أو يستغل من جهات متعددة كمطية لطرح فكرة التقسيم أو المناطق الآمنة ذات الإدارة الذاتية.
الضعف والانكفاء
تتسع مروحة الطارحين لمثل هذه الفكرة، وهي تلقى رواجاً كبيراً في صفوف البيئة المسيحية، وعلى ألسنة مسؤولين في الأحزاب. وفي السياق المكمل لها، تأتي ردود الفعل على الانتخابات الرئاسية لتصب في هذا السياق أيضاً، على سبيل الكثير من التصريحات التي أطلقها مسؤولون في أحزاب مسيحية، من بينها القوات اللبنانية مثلاً. وهم يشيرون بكل صراحة بأنه في حال نجح حزب الله في إيصال مرشحه لرئاسة الجمهورية، فإن هذه القوى ستكرس مبدأ الذهاب إلى خيارات أخرى أو إلى صيغة جديدة للبلاد. وهم يعتبرون أن مثل هذه الصيغ هي أبعد من مسألة اللامركزية الموسعة. يمكن الاستنتاج سريعاً بأن المطلب هو مسألة التقسيم أو إقامة المناطق ذات الإدارة الذاتية تحت عنوان الفيدرالية أو غيره من العناوين.
جمعيات كثيرة بدأت تنشط على خط هذا الطرح، وأحزاب سياسية على صلة بهؤلاء أيضاً. اجتماعات كثيرة تعقد وتنسيق مستمر، يمكن أن يشكل التصدي لمشروع حزب الله ونجاحه في فرض مرشحيه، عنواناً ومدخلاً له. مثل هذه الطروحات إن دلّت على شيء فهو الضعف في المقاربة وفي المواجهة، على قاعدة أن الطرف الأضعف وعندما يستشعر الخسارة السياسية أو الميدانية يفضل الإنكفاء، والفوز في مكان أصغر مساحة وأقل اتساعاً.
ذرائع وأوهام
يقدّم هؤلاء طرحهم هذا بأنه نوع من أنواع ردّ الفعل على مسار سياسي معتمد في لبنان، لا يقبلون به. ولكن في مثل هذه الحالات، وبالمعنيين النفسي والاجتماعي، يمكن لهذا التوجه أن يتغلب على غيره من التوجهات، ويصبح هو المشروع المبتغى أو المراد تحقيقه على حساب البحث عن توازن سياسي أو تعديل في الميزان الانتخابي، أو في تقديم رؤية وخطة لمشروع الدولة. وإذا تغلبت عناوين الانفصال والطروحات الفيديرالية، يصبح من الصعب جداً خلق قواسم مشتركة مع الأطراف الأخرى في مجالات متعددة، تبدأ من الاتفاق على مرشح لرئاسة الجمهورية قادر على مواجهة المرشح المرفوض من قبلهم، والذي يشكل وصوله ذريعة للشقاق أو الانفصال أو التقسيم.
تتغذى وجهات النظر الانفصالية من تجارب خارجية كثيرة، أو من طموحات داخلية معطوفة على توهم لوقائع كثيرة، مثل التوهم قبل سنوات في مشروع دعم دولي لإنشاء منطقة آمنة في لبنان، بعيدة عن سيطرة حزب الله وسلاحه برعاية دولية. وقد جرى تقديم الكثير من الطروحات المشابهة خارج لبنان للحصول على دعم دولي، وخصوصاً في الولايات المتحدة الأميركية.
رفض فرنجية أولاً
حالياً، ومع الترقب القائم لمسار الاستحقاق الرئاسي، وفي ظل الاستعصاء القائم بسبب التضارب في وجهات النظر السياسية والمشاريع لدى كل طرف، يبرز موقف مسيحي شبه موحد معارض لوصول رئيس تيار المردة سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية. يحاول هؤلاء رفع سقف مواقفهم إلى حدود التهديد بالانفصال أو التقسيم في حال تم انتخاب الرجل، في محاولة لدفع الطرف الآخر إما إلى تغيير موقفه، أو لدفع بعض الدول لتقديم خيارات بديلة. بعض من يغالون في مثل هذه التوجهات يذهبون إلى حدود تكثيف نشاطهم وعقد اجتماعاتهم، على قاعدة أن لا قدرة حتى الآن لدى أي طرف محلي على مواجهة حزب الله، كما أن لا قرار دولياً في تحجيم نفوذ الحزب، وطرح مسألة سلاحه على الطاولة. وبالتالي، فلا خيار بالنسبة إليهم سوى العودة إلى طرح الفيدرالية التي تغلّف التقسيم، ويسعون راهناً لاستقطاب مجموعات وشخصيات من طوائف متعددة.
يجد هؤلاء أنفسهم أمام خيار من اثنين. الأول، تغذية الطروحات الانفصالية لدفع الآخرين إلى التقرب منهم. والثاني، استمرار التواصل مع قوى المعارضة سعياً لاتفاق على مرشح فيما بينها، طمعاً بتجاوز ترشيح رئيس تيار المردة، وفرض البحث عن خيار ثالث.
لكن، وكما يجتمع هؤلاء على رفض فرنجية حالياً، فإنهم يختلفون حول الآلية التي ستعتمد للإدارة السياسية، في حال التوصل إلى تسوية يوافقون عليها. فغاية كل طرف منهم تقوية نفسه وإضعاف الآخر. وهذا ينكشف من خلال المشاورات المفتوحة بشكل غير مباشر فيما بينهم لطرح أسماء المرشحين. إذ يتضح أن كل طرف يريد ترشيح شخصية قريبة منه، قادر من خلالها على الاقتصاص من الآخرين.
المدن – منير الربيع