هل أنت تستحق زوجتك؟

من المغري إلقاء اللوم على الخطاب المسموم الحالي الذي يدور حول المواعدة والعلاقات الذي يلقيه بعض الأشخاص الاستفزازيين غير الناضجين على غرار أندرو تيت وعصابته من العازبين اللاإراديين، ولكننا لطالما تعاملنا مع العلاقات البشرية على أنّها طقوس غريبة بغيضة.

والواقع أنّ الاشخاص ينجذبون إلى بعضهم البعض لأسبابٍ عشوائية وخفيّة لدرجةٍ تصبح معها حقيقة ممارسة أيّ شخص العلاقة الحميمة أمراً لا يمكن فصله أو تمييزه عن السحر، ولهذا لا عجب أن نمتلك الدافع لاختزال هذا الانجذاب ببعض النصائح والإرشادات السريعة التي بوسعنا تمريرها بأقلّ جهدٍ ممكن.

لنأخذ مثلاً الحادثة التي حصلت أخيراً مع لي ماك حيث التقى الممثل الكوميدي البالغ 54 سنة في إحدى الحفلات بامرأة اعتبرت بأنّ زوجته (الجميلة جداً) قد بدأت بمواعدته بعد أن أصبح ثرياً ومشهوراً. وعندما قام ماك بتصحيح معلوماتها نافياً الأمر وشارحاً بأنّهما التقيا في الجامعة قبل أن يبدأ مسيرته الكوميدية، أجابت المرأة: “إذاً قمت بإنقاذ حياتها أو ما شابه”؟

هل يُعتبر قول ذلك لشخصٍ التقيته للتوّ أمراً فظيعاً مع كلّ ما يحمله من تلميحٍ بأنّ شخصاً ما في العلاقة لا يستحقّ مشاعر الشخص الآخر ومحبّته؟ نعم، الأمر كذلك. وهل الموقف مضحك للغاية؟ نعم هو كذلك أيضاً.

كلّنا التقينا بثنائياتٍ لا يمكننا فهم معنى وفحوى علاقتهما ولا يتعلّق الأمر بالمظهر الخارجي وحسب. قد نتساءل مثلاً: “هي تتمتّع بذكاءٍ خارق، فلماذا هي في علاقة مع شخصٍ لم يقرأ كتاباً في حياته”؟ أو “إنّها مملّة للغاية، كيف تمكّنت من جذب شخصٍ مسلٍّ جداً”؟ أو أيضاً “هو مهووس بالرياضة واللياقة البدنية ولكنني رأيتها تلتهم بيتزا كاملة بحجمٍ كبير الساعة الثانية فجراً في المرة الأخيرة التي قصدنا فيها نادياً ليلياً: كيف تنجح علاقة كهذه”؟

في حالة ماك، الجواب بغاية الوضوح: إن كنت تظنّ أنّ هنالك تفاوتاً في علاقتهما، فهو احتمال من اثنين: أولاً، الأمر ليس من شأنك؛ وثانياً، هو كوميدي مسرحي مضحك ومسلّ وجذّاب ولم يرتبط اسمه بأيّ فضيحة. يمكن له أن يشبه أحد الأقزام في سلسلة أفلام هاري بوتر ولكنه سيسجّل في كل الأحوال مواعداتٍ ربما أكثر من أيّ شخص عادي.

لا يهمّ كم يبلغ عدد المرات التي يحاول فيها أحد “خبراء” مواعدة المشاهير المزعومين أن يقول لك بأنّ النساء نرجسيّات تتبّعن التنميط ويمكن اختراقهنّ بإدخال اللائحة الصحيحة من الأوامر والأمور التي تجذبهنّ، من المهمّ أن نتذكّر أنّ بعض العبارات المبتذلة (أو الكليشيهات) تبقى سائدة لسببٍ ما: تملك شخصية ساحرة تتمتع بروح دعابة شبه لائقة فرصة نجاح في العلاقات تفوق فرص نجاح المظهر الجيد والحساب المصرفي كبير.

ولكن المشكلة في حالة الأشخاص من أمثال تيت هي أنّه ليس بوسعكم تعليم فتى حزين ووحيد ومشهور ويشعر بالمرارة أيّ من تلك الأمور. فكلّ ما بوسعكم القيام به هو الاستمرار في تعزيز فكرة أنّه سيبقى وحيداً إلى الأبد وإلقاء اللوم على المرأة في ذلك والاستمتاع بعائدات الإعلانات التي تتدفق على قناتكم على “يوتيوب” والناتجة من نقرات التعبير عن الكراهية (إلى أن يتمّ حظر القناة لترويجها خطاب الكراهية بعد حوالى ستة أشهر).

ولكن الأمر هو أنّكم لا تحتاجون حتى إلى هذه الأمور المحددة أيضاً. من المغري دائماً القول إنّ الانجذاب يتمحور حول فكرة أنّ صفات معينة تستحق وضع بعض العلامات عليها (أنتم بحاجة إلى ثلاثة رموز “ضاحكة” وخمسة أعمال صالحة على الأقل لتساوي علامة كاملة في فئة “مهنة رائعة”) ولكن الأشخاص يتماشون معاً لأسبابٍ قد يستحيل تحديدها فعلاً. يكون الأمر في بعض الأحيان عبارة عن مصالح مشتركة. وفي أحيان أخرى تكون صدمة مشتركة. وفي حالات أخرى، تكون لحظة واحدة صغيرة غير منطقية تحدث خلال المرة الأولى التي التقيا فيها ولم يلاحظوها حتى، ولكنها تكون صدفة كفيلة بربطهما معاً إلى الأبد.

لا يساعد أن يكون المرء نادراً الشخص نفسه عندما يكون مع نصفه الثاني مقارنةً بحين يتحدث إلى الأصدقاء والأقارب والزملاء. فهنالك قلّة من الأشخاص على هذا الكوكب ممّن رأوني في علاقة أو رأوا الجانب الآخر لراين في علاقة وأعتبرها مهمّة خاصة لي ألا يلتقوا أبداً بهذا الجانب ويبدأوا بوضع ملاحظات المقارنة بين جانبَي تلك الشخصية.

لا حاجة للآخرين بأن يعرفوا عدد أفلام “بيكسار” التي بكيت عند مشاهدتها. ولا حاجة لهم بأن يعرفوا أنّه على رغم عدم رضاي عن ذلك، لديّ نهمٌ كبير بمشاهدة البرامج التافهة والمبتذلة أكثر ممّا يبدو عليّ. وبالتأكيد لا أودّ أن يعرفوا بكافة أموري الجنسيّة.

ولكن الناس لن يتقبّلوا ذلك لأنّه يستحيل تحديده بشكلٍ دقيق. وبسبب ذلك، يكون بالتالي من المستحيل محاكاته أو تكراره. وإن استحال ذلك أيضاً فهذا يعني أنّ فرصة عدم حدوثه بالنسبة إليكم قائمة، وهذا ما يخيف الأشخاص.

إنّها المساحة التي يحتلّها خبراء العلاقات المزعومون ويستغلّونها أيضاً. لن تكون هذه مشكلة إذا لم يكن معظم تلك العلاقات ساماً للغاية، ولكنني أعتقد أن فكرة أننا قد لا نجد مطلقاً شخصاً هو أمر يفسح بحدّ ذاته المجال بشكل افتراضي لدخول السميّة. وهذا أمر مؤسف لأن هذه السمية نفسها هي التي ستصبح في نهاية المطاف أكبر عائق أمام سعيهم في العثور على تلك الشرارة التي تولّد العلاقات.

فعندما ترون ثنائياً على غرار لي ماك وزوجته “الجميلة جداً بالنسبة إليه” كما يُزعم، من الأجدى التفكير بأنّ الرومانسية هي نتيجة فيرموناتٍ وفرص لقاءاتٍ عشوائية تدور في حلقاتٍ مفرغة، ومحاولة فهم سبب وجود شخصين معاً يشبه محاولة اكتشاف ما ورائيات الكون وأسباب احتوائه على أمور بدلاً من الفراغ. إذا فكرتم في ذلك مطولاً، فربما ينتهي بكم الأمر بالجنون.

ولكن، الأهم من كلّ ذلك، وهو أمر أشدّد عليه كثيراً، لا تحتاجون إلى التفكير في ذلك مطلقاً لأنّ الأمر لا يعنيكم بجميع الحالات.

اندبندنت

مقالات ذات صلة