إجتماع عاصف بين الأمن العام و”مفوضية اللاجئين”: هل ثمة تلاعب في الداتا؟
عشر سنوات وأكثر ولبنان يعاني من أخطر قضية نزحت اليه مع استشراس الحرب السورية. الحرب تكاد أن تنتهي لكن معاناة لبنان لم تنته. فالملف الذي يصنف “فائق الحساسية والخطورة” يستنزف البلد عاماً بعد عام، وفي كل مرة تتكشف فيه حقائق جديدة لا تقل أهميتها عن سابقاتها، وجديدها أن لبنان الذي “تعنتر” في الآونة الاخيرة محاولاً بث رسائل تهديد بأنه سيد نفسه، في سيادة لا يمتلكها، تبين أن لا “داتا” (data) لديه دقيقة ولا حتى أولية، حول أعداد اللاجئين وأوضاعهم الاجتماعية، في البلد الذي يستضيفهم، وانحنت كتفاه من ثقلهم عليه في ظل غياب الخطة العلمية والعملية للتعاطي معهم والتي يفترض أن تكون فيها المساعدات المالية الدولية مدماكها.
يقول مصدر رفيع المستوى في الأمن العام لموقع “لبنان الكبير”: “هذه المرة المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين(UNHCR) أمام اختبار مفصلي لكشف حقيقة خبايا هذا الملف. لقد طلبنا منها الداتا وننتظر أن تزودنا بها، اذ ليس هناك أي جهة لبنانية رسمية أو أمنية تملك أرقاماً حقيقية عن أعداد اللاجئين، والولادات الجديدة. وآخر تحديث حصل عليه لبنان بتسجيل أسماء النازحين السوريين، الذين يحملون صفة لاجئ، يعود الى العام ٢٠١٥ حين سجلت الحكومة اللبنانية رقم ٨٥٠ نازحاًRegistered ، عندها الدولة اللبنانية أوقفت التسجيل لكن المفوضية العليا للاجئين تابعته كسوري recorder وليس Registered كلاجئ سوري. وهنا بدأت الفوضى تعم الملف فلم يعد معروفاً اللاجئ من غيره. والمفوضية استمرت في التسجيل بأسلوب مبهم، وخلافاً لقرار الدولة، وأصبح كل سوري يحمل بطاقة أمم مهما كانت حالته، يتقاضى مساعدات مالية على الفرد والعائلة، تصل اليوم الى حدود المليون ونصف المليون على الفرد، وهذا الأمر لم يعد خافياً على أحد”.
يضيف المصدر: “والمعلومات التي أعطيت لوزارة الشؤون الاجتماعية هي داتا غير قابلة للاستثمار، ولا يمكن اخضاعها لتطابق مع داتا الأمن العام، فلبنان بحاجة الى داتا قابلة للاستثمار لمعرفة هوية المغادرين والداخلين الى البلد، وما اذا كانوا من ضمن المسجلين أو لا، فمن هو خارج الداتا تطبق عليه القوانين اللبنانية، ومن هو مسجل يتم التعاطي معه بصفته المسجلة كلاجئ، والمخالفة الكبرى أن المفوضية سجلت على كل البطاقات: نازح! يستطيع أن يفعل ما يريده ولا سلطة للدولة اللبنانية وقوانينها عليه”.
ويؤكد المصدر أن “جهاز الأمن العام ومنذ قرابة سبع سنوات لم يعدonline مع المنظمة الدولية، ويحاول جاهداً الامساك بالملف لكنه يصطدم في كل مرة بسياسة المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. ثم ان برنامج الاستجابة للأزمة السورية الـLCRP بين وزارة الشؤون الاجتماعية والمفوضية يعاني من فوضى كبيرة، والمنظمة لا تعطي الوزارة معلومات عن المسجلين فيها والتقديمات، وما يصلها من الدول المانحة، وهذا حق سيادي لكل بلد يستضيف لاجئين على أراضيه، كما يمنع علينا حق الترحيل، وقد تبين لنا أن غالبية النازحين موجودون في لبنان بصفة لاجئ اقتصادي وليس سياسي، فكيف نُتهم بالاضطهاد؟ نحن طالبنا بالحصول على الداتا لنثبت أن معظم النازحين لا يمكن وصف ترحيلهم بالاضطهاد لأنهم ليسوا لاجئين سياسيين، وهناك عدد كبير جداً لا يستهان به من السوريين يذهب الى سوريا، اما خلسة أو تحت حماية القوانين، ونحن عاجزون عن اجراء عملية تطابق للمعلومات حولهم duplicata لأننا لا نملك داتا المفوضية وهذا هو المشكل الكبير، وهذه ليست مسؤولية وزارة معينة، أو جهاز واحد، انما مسؤولية وطنية تعنى بها كل مؤسسات الدولة والبلديات التي يتخلى معظمها عن مسؤولياته في هذا الملف، حيث لا وجود لاحصاءات أو رقابة أو مسح للمؤسسات غير المشروعة، التي تشكل عامل مضاربة لسوق العمل اللبناني، اذ يتم التحايل والتذاكي عليها من خلال لعبة المشاركة مع لبنانيين، بينما العمال كلهم سوريون، أو يكون صاحب العمل سورياً، ويشرك معه لبناني فقط لتغطيته مقابل مبالغ مالية. وكل هذا يؤدي الى الاخلال بالأمان الاجتماعي تحت حجة القانون، وهنا تقع المسؤولية على كل من يتآمر معهم من أفراد وبلديات ومالكين… هذا واجب وطني يجب أن يكون الضمير هو الحافز فيه لأنه ينعكس على كل فئات المجتمع اللبناني، وهذه مسؤولية تضامنية مشتركة بين كل فئات المجتمع ولا يجوز رميها على فريق واحد”.
ويكشف المصدر أن الدولة اللبنانية، والأمن العام خصوصاً، سيتحرك فوراً عند حصوله على الداتا، “فحقوق الشعب اللبناني هي خط أحمر ولن نقبل بجر هذا الملف الى حرب أهلية، كما حصل في السابق مع الفلسطينيين، لأن حالة الغليان تكبر، وتنظيم الملف صعب لكنه ليس مستحيلاً وكل الأجهزة ستساعد بعضها”.
ويوضح المصدر أن “ما سمي ترحيل من الجيش اللبناني لأغراض سياسية ليس الا عملية push back اي اعادة من ينكشف أمر دخوله خلسة، وليس ترحيلاً من الداخل الى سوريا، وما سنقوم به عند تسلمنا الداتا هو أن نلزم كل نازح بأخذ (اقامة نازح) لمدة ستة أشهر لضبطهم واحصائهم، فهل يعقل أن يسمح لنازح بالتنقل بحرية على الأراضي اللبنانية على بطاقة المنظمة الدولية، والأخيرة بحاجة الى أذونات للدخول الى لبنان والتحرك على أراضيها للقيام بمهامها؟ في أي دولة في العالم يسمح بهذا التجاوز؟ نحن نعطي موظف UNHCR اذناً بالدخول، وهو يعطي السوريين أذونات بالتنقل على الأراضي الخاضعة للسلطة اللبنانية بحرية… مهزلة”.
السوري الذي يحمل بطاقة أمم فليذهب الى المخيم، ومن يريد العمل عليه الاستحصال على اذن من الدولة اللبنانية ويصنّف في غير فئة بالاقامة ويخضع لكل القوانين والأنظمة. وهذا هو المدخل لتنظيم الملف الذي يخضع للمرة الأولى لقرار تنظيمه على هذا المستوى، والاجراءات يجب تنفيذها في اطار مسؤولية جماعية تضامنية والا فليتحمل الكل انفجار هذه القنبلة.
وحول الضغط الدولي على المسؤولين لتنويم هذا الملف وتهديدهم، يقول المصدر: “نحن نطبق القوانين ونتخذ اجراءات تنظيمية لحماية بلدنا، ولا أعتقد أن هناك جهة دولية تتجرأ على عرقلة هذا الأمر، وليس صحيحاً أننا سنرحلهم قسراً. ما سنقوم به هو عملية تنظيم وقمع للمخالفات والتجاوزات، وكل من لا تنطبق عليه صفة اللجوء ستتخذ بحقه اجراءات وعليه أن يخضع للقوانين. فالعامل السوري موجود تاريخياً في لبنان ومحمي ضمن القوانين المرعية الاجراء، وهذا حق له، لكن الفوضى لم تعد مسموحة ونظام الـ١٩٩٩ أي نظام الكفالة لا يزال ساري المفعول. أيعقل أن لا يكون لدى دولة في العالم معلومات حول القاطنين على أرضها؟ أي نظام هذا لم نعد نجده حتى في شريعة الغاب؟”.
ويحذر المصدر من الولادات السورية التي لا أوراق ثبوتية لها ولا هويات “فهؤلاء الأطفال سيصبحون مكتومي القيد، ومعروف أن مكتوم القيد بحسب القوانين لا يمكن ترحيله أو اعادته، ويتم تجنيسه في البلد الذي ولد فيه، وهذا ما لن نسمح به لأننا سندق بالمحظور أي التغيير الديموغرافي. ثم ان من الطبيعي حصول تواصل قوي ومباشر بين لبنان وسوريا، لأنه تاريخياً عندما يكون هناك نزوح من بلد الى آخر يتم التنسيق بين البلدين باتفاقات ثنائية، أو اتفاق بين بلد النزوح والبلد المضيف والمجتمع الدوليtri-party agreement، وما نقوم به حالياً هو محاولة لحل الأمر بيننا وبين السوريين من دون طرف ثالث. نحن بالتأكيد نعلم أن قضية النزوح سياسية وحلها سياسي واقليمي، لكن سنحاول معالجة المشكلات القانونية فقط وضبط المخالفات”.
ويختم المصدر: “آن الأوان لوضع الملف على السكة الصحيحة لمعرفة حجمه الحقيقي. وهذه هي البداية لقوننة ملف النزوح والسيطرة عليه وهذه الخطوة مستحيلة من دون الحصول على الداتا. فهذه السياسة تشاركية لخدمة الأهداف الانسانية الدولية وفي الوقت نفسه لخدمة القوانين الداخلية وحمايتها من التعدي عليها، ونحن نريد أن نمتص هذه النقمة من المجتمع اللبناني ضد السوريين، بعد ارتفاع مستوى الجريمة والسرقات والعمالة على حساب المواطنين، وهذه النقمة ليست على السوريين وحسب، انما أيضاً على المجتمع الدولي، الذي يسعى الى ابقاء الملف كما هو عليه لا بل المطالبة بدمجهم والضغط على اعطائهم تسهيلات محروم منها اللبناني”.
ويؤكد مصدر حكومي لموقع “لبنان الكبير” أن الدولة “لم تبلغ أي طلب عن موضوع طلب الدمج من المفوضية، وهذا الطلب من سابع المستحيلات، ولن نقبل به تحت أي ظرف أو ضغط. فمن يحق له الحصول على الاقامة أو اجازة العمل ولديه المواصفات المطلوبة لن يُحرم منها وغير ذلك لا كلام، حتى أننا في مرحلة تشدد وبأمر من الحكومة لم نعد نعطي اجازة عمل لسوري مع صاحب عمل لبناني شريك”.
ويضيف المصدر الحكومي: “الداتا مهمة جداً، واذا كان ثمة تلاعب فيها فسنكشف الأمر. لكن أعتقد أن لا مصلحة لهم بالتلاعب فيها، أولاً لأن موازنتهم تكشفهم، ثانياً لأننا نملك أيضاً داتا خاصة بنا وعند التطابق تظهر كل المخالفات. هو عمل دقيق وحساس جداً لكنه ضروري والا فالعواقب وخيمة، والمنظمة يجب أن تعلم أن الـsystem الذي تتبعه وموظفين كبار فيها لن يدوم. وما نعرفه من معلومات حول تقاضي المبالغ الخيالية والأجور العالية ودهاليز الـsystem والهدر والفساد والتستر تحت مظلة الدفاع عن حقوق الانسان لا مصلحة لهم في كشفه”.
وعلم موقع “لبنان الكبير” أن الاجتماع الأخير بين مفوضية اللاجئين والأمن العام كان عاصفاً جداً. وأبلغ الأمن العام الوفد الأممي أن لبنان لن يطبق سوى اتفاقية الـ٢٠٠٣ التي أبرمت مع الأمم المتحدة بخصوص اللاجئين العراقيين وشروطها واضحة، ولبنان ملزم بتطبيقها وليس اتفاقية الـ١٩٥١ لأننا لسنا بلد لجوء ولم نوقعها. وقد حاول وفد المفوضية المقايضة ما بين اعطاء الداتا وانتزاع التزام بعدم تغيير الواقع، وعدم التعرض لأي نازح، فكان الرد قاسياً جداً: لا نلتزم بما لسنا فيه ونريد خطة عودة وجدولاً زمنياً. ونحن لسنا بلد لجوء ولدينا مشكلات اجتماعية خطيرة ومساحة أرضنا لا تحتمل الأعداد فكيف نجبر على قوننة اقامة مليون و٦٠٠ ألف بأوراق تنتج عنها حقوق لا يمكن أن نحملها؟ والدولة أصلاً عاجزة عن تقديم الخدمة والحياة الكريمة لأبنائها. وخاطبهم مدير الأمن العام بالانابة الياس البيسري بلغة صارمة: الدولة اللبنانية أمضت سنوات وهي تلعب دور حارس حدود وبحور، ولم تتصرف يوماً برد فعل سلبي كأن تقول: “ما دامت هذه سياستكم فمن يريد أن يرحل ويهاجر فليرحل”. لقد كافحت الدولة اللبنانية الهجرة غير الشرعية ولم تحصد سوى التخبط في هذا الملف والعواقب السلبية على البلد، وسوء التعاطي من قبلكم، كما أننا لن ندخل في سياسة المقايضة والشونتاجات كما فعل غيرنا… فتوتر الجو ورُفع الاجتماع. لكن في اليوم الثاني أعاد الوفد حساباته وأظهر حسن نية بتسليم الداتا وتشكيل لجنة مشتركة للتنسيق… لكن حسن النية هذا لا يمكن الاعتماد عليه بحسب التجارب ولبنان تعلم من كيسه وعليه، فهل يضع أمامه سوء النية ويعمل مع المنظمة “على القطعة”؟! بانتظار الـDATA.
ليندا مشلب