كُفَّت يد «قاضية البلاط»: طرد غادة عون عملية ترويض لباسيل… فهل فهم الرسالة؟!
أثار طرد القاضية غادة عون من السلك ردود فعل متناقضة، ليس فقط بين فريق «العونيين» وبين خصومهم في السياسة، ولكن أيضاً بين صفوف معارضي «التيار الوطني الحر» والحياديين.
فبعض هؤلاء اعتبر أنّ العدالة أخذت مجراها أخيراً، وكُفَّت يد «قاضية البلاط» التي كانت تخالف القانون وأصول المهنة، وكانت تكيل بمكيالين، وتلتزم أجندة رئيس الظل السابق جبران باسيل للنيل من خصومه، وتتغاضى عن القضايا التي يمكن أن تمس به وبحلفائه، ابتداء من ملف الكهرباء والفيول المغشوش، وليس انتهاءً بملف «القرض الحسن». كما أنّ ملفات القاضية بقيت استعراضية ومعلقة ولم تصل إلى خواتيمها ولم تقتص من أي مرتكب، لتقتصر على كيديتها التي تسببت بكثير من الأذى لأبرياء نزل عليهم الغضب الباسيلي.
والبعض الآخر يرى أنّ غادة عون تجرأت حيث تخاذل الآخرون، وذلك بملاحقتها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، في حين سعى كبار المسؤولين إلى حمايته، لأنه يملك مفاتيح خزائن عبثهم بالمال العام، وصولاً إلى إفلاس البلد. والمجلس التأديبي إذ يزيحها، إنما يقفل ملفات فساد أساسية كانت قد خاضتها ضد بعض السلطة، وقراره يشبه تماماً ما تعرّض له ملف تفجير مرفأ بيروت ومحاصرة المحقق العدلي في هذه الجريمة طارق بيطار.
ولكن طرد القاضية ربما له قراءات أبعد من الفعل بحد ذاته، انطلاقاً من التطورات المتعلقة بالاستحقاق الرئاسي وتعقيداته، والتي باتت ملحّة وتستوجب توجيه رسالة من العيار الثقيل إلى الجهة السياسية «الخارجة عن بيت الطاعة»، التي كانت تحمي غادة عون وتبقيها بمعزل عن الانصياع لمرجعيتها الوظيفية، وتطلق يدها لتقدم الخدمات القضائية في الملفات التي تحتاجها هذه الجهة لإبعاد خصومها من درب بنك أهدافها.
بالتالي، ولأنّنا تعودنا في لبنان أن ما خفي من كل مسألة يبقى أعظم مما أعلن، ولا براءة في أي خطوة ظاهرها إصلاحي وباطنها قابل للتوظيف، ربما علينا أن نقرأ القرار الذي يصيب في الصميم جبران باسيل، ويهدده بتصرف مماثل حيال كل مريديه والمؤتمرين بأمره في الإدارة والمؤسسات الرسمية اللبنانية، والأسلاك الأمنية، والعسكرية، والقضائية، إذا بقي على منواله في التعامل مع ملف رئاسة الجمهورية. بعبارة أخرى، قد يمكن الاستنتاج أنّ الطرد بمعناه العميق هو عملية ترويض لباسيل، وعليه أن يفهم الرسالة.
وما بدأ مع غادة عون يمكن أن يستلحق، وتتغير نتائجه في حال انقلبت المواقف الحالية. وكأنّ فترة السماح انتهت. فاليوم أمر وليس خمراً. والحبل على جرار الإجراءات الممكن اللجوء إليها، لأنّ المخالفات موجودة أصلاً، ولا لزوم للبحث عنها أو لفبركتها ومن ثم طرحها في سوق المزادات الشعبوية. فالعهد العوني حافل بما يمكن استثماره لإعادة الصهر العزيز إلى بيت الطاعة، وإرغامه على الاستسلام والقبول بمرشح «حزب الله» سليمان فرنجية.
والدلع الباسيلي بات مزعجاً، و»حزب الله» بدأ يشعر بأنّ لعبة عض الأصابع ربما لا تعطي مفاعيلها، وتحديداً في ضوء الضغط الخارجي ومع الارتباك الفرنسي، وخواء الأجواء الإيجابية التي تروج لقبول السعودية بترشيح فرنجية، وبعد الوصول إلى نقطة ميتة، مع الرفض النيابي الوازن، والتلويح بمقاطعة جلسات انتخاب فرنجية لتطيير النصاب… ومع معلومات غير مؤكدة عن احتمال توحيد المعارضة والاتفاق على مرشح واحد، ومع إصرار رأس المحور الإيراني على مكتسباته إن في لبنان أو سوريا… كان لا بد من هذه الرسالة لتوحيد الصف الممانع، وتأمين النصاب والميثاقية المسيحية لانتخاب فرنجية.
وإذا وصلت الرسالة وفهمها باسيل… قد تنجح غادة عون في استئنافها قرار طردها وتعود إلى قواعدها سالمة غانمة.
سناء الجاك- نداء الوطن