ما أسباب الصمت السعودي: هذا ما أبلغته الرياض للفرنسيين!
يجب أن يتأقلم لبنان مع المستجدات الإقليمية، وعليه خصوصاً انتظار نتائج الانفتاح العربي على سوريا، وعندها لن يبقى يغرد خارج السرب؟! بضع كلمات سمعها مسؤول لبناني رفيع من ديبلوماسي معتمد في بيروت، قد تلخص الجمود الحالي على الساحة اللبنانية ازاء الاستحقاق الرئاسي، وقد تفسر «الصمت» السعودي المستمر، والذي بدأ يثير اكثر من علامات استفهام لدى «خصوم» المملكة وحلفائها. فهل فعلا ثمة ربط نزاع بين الساحات، ولن يفرج عن الحل اللبناني الا توازيا مع وضع التفاهمات حول الازمة السورية على «السكة»؟
هذا ما تخشاه اوساط سياسية بارزة معنية بالاستحقاق، بعدما طال انتظار الموقف السعودي العلني، اثر تلميحات للفرنسيين وحتى لبعض اللبنانيين ومنهم النائب السابق وليد جنبلاط، تشير الى ان المملكة الآن في خضم مراجعة جدية لموقفها من ترشيح رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية، وهذه المراجعة تنحو نحو الايجابية «مبدئيا»، لكن دون ان يتم الافصاح عن شكل ومحتوى التسوية التي ترغب بها الرياض في لبنان، خصوصا ان لا اشارات واضحة من قبلها حول مسألة الدور السني المغيب راهنا، وكيفية التعامل معه في المرحلة المقبلة.
وعلى الرغم من عدم ادلاء السفير السعودي الوليد البخاري، العائد من اجازته الرمضانية، بتصريحات يمكن البناء عليها حتى الآن، الا ان استئناف حركته السياسية من دار الفتوى بالامس لها اكثر من دلالة، اهمها ان السنة في لبنان ليسوا على هامش الاولويات السعودية، لكن يبقى معرفة كيفية تسييل هذا الاهتمام على ارض الواقع، وهو ما سيكون «مفتاح القفل» للصندوق السعودي الذي لم يفتح حتى الآن على نحو صريح وواضح، لا مع الفرنسيين وكذلك مع الايرانيين.
واذا كان البخاري يصرّ على اطلاق الكلام العام دون مقاربة مباشرة للازمة، فان ما نقله الفرنسيون عن السعوديين من كلام حول لبنان يبقى اكثر وضوحا من حيث الموقف، لا لجهة مآلات الحل، وآخر الكلام ما قالته السفيرة آن غريو لمسؤول لبناني حاول استيضاح موقف الرياض الحقيقي، فكان الجواب من خلال اجراء مقارنة بين الموقفين الايراني والسعودي، وبحسب الديبلوماسية الفرنسية، فان طهران اكدت انها ستؤيد كل شخص يتفق عليه الشعب في لبنان، علما انها لا تدير حوارا مباشرا مع فرنسا بل عبر حزب الله. وقد أرسل وزير الخارجية الايرانية حسين امير عبد اللهيان لوزير خارجية فرنسا رسالة واضحة، أكد فيها أن رئيس لبنان سينتخبه اللبنانيون، وليس السعودية أو إيران أو الولايات المتحدة.
في المقابل، فان السعودية التي يضغط الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للحصول منها على اجوبة حول مستقبل الحياة السياسية في لبنان، لم تغادر مربع «الصمت» العلني، ولكنها أوضحت، بحسب غريو، أنها تربط اي مساعدة في الجهود الاقتصادية بطبيعة التسوية المفترضة وفق معادلة مفادها انه «دون شراكة السعودية الاقتصادية سيكون للبنان رئيس، لكن لن تكون له دولة ليترأسها».. وانطلاقا من هنا، اقترح الفرنسيون تقاسم النفوذ من خلال موقعي رئاسة الجمهورية والحكومة وخارطة طريق الاصلاح الاقتصادي. لكن الامور لم تتحرك، لان الرياض لم تفصح عما تريده، ولم تعط اي اشارة الى انها في لحظة ما ستعمل للضغط على حلفائها في لبنان للسير في التسوية؟
غياب الاجوبة، لا يعني وفقا لاوساط مطلعة، ان النقاش الفرنسي – السعودي – الأميركي حول التسوية قد توقف، الاميركيون مهتمون بحاكم مصرف لبنان وقائد الجيش، ولا يناقشون كثيرا بهوية رئيس الجمهورية. اما الجانب السعودي فلا يزال يتحدث عن البرامج والسياسات المفترض اعتمادها من قبل الحكومة المقبلة لجهة الاصلاحات الاقتصادية، دون مقاربة واضحة للملف السياسي بانتظار «شيء ما»..
هذا الشيء، ربما يكون التقارب المستجد مع دمشق. وتخشى تلك المصادر من ربط الساحات، وهذه المرة سياسيا من خلال ربط مستقبل الحل السياسي والاقتصادي في لبنان بمستقبل الحل في سوريا. فالرياض تريد ثمنا لمنح الرئيس بشار الأسد الشرعية العربية، ولايران مصلحة في ذلك، لكنها لن تقبل بان يكون التقارب على حسابها، وهذا ما تؤكده من خلال زيارة الرئيس الايراني ابراهيم رئيسي الى دمشق، لكن من الواضح ان ثمة من يراهن في الرياض على امكانية الحصول على ثمن جيد من الايرانيين، سواء بالضغط على حزب الله لتليين موقفه في مسألة الرئاسة في لبنان، وكذلك الوصول الى تفاهمات مع الاسد على موقع وازن للسنّة في السلطة في سوريا، ولم يعد مستبعدا استخدام كلا الملفين للمقايضة حين تنضج الحلول. ولهذا لا تبدو الرياض مستعجلة لمنح الاجوبة الشافية حول لبنان!
هذا البطء له دوافع واضحة ومبررة على المستوى السعودي، ولكن افضل من يعطي استنتاجا يتناقض مع القراءة السعودية، التي تفترض الحصول على تنازلات ايرانية، تبقى دولة الاحتلال الاسرائيلي التي تراقب نتائج الاتفاق في بكين بين الرياض وطهران، وترى انه يمنح الايرانيين ومعهم حزب الله اوراق قوة اقليمية جديرة بالتوقف عندها، حيث لم تعد المعركة بين الحروب تؤتي الثمار التي كان يعول عليها.
وللدلالة على الامر، نقلت صحيفة «هارتس» عن مصدر امني «اسرائيلي» قوله ان استهداف «اسرائيل» مخازن اسلحة في سوريا بعد يوم على إنهاء وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان زيارته الى بيروت، كان رسالة عنيفة ردا على زيارة وزير خارجيتها الى منطقة الحدود الشمالية. ولكن في الوقت الذي تحصي فيه «إسرائيل» الصواريخ التي تطلقها ومخازن السلاح التي تدمرها، تجني إيران مكاسب سياسية سيكون من الصعب تدميرها بالصواريخ، بحسب تلك المصادر.
ومن هنا، يمكن فهم اسباب «الصمت» السعودي، فالنقاشات لم تنته بعد حول مستقبل المنطقة التي يعاد رسم خرائطها السياسية من جديد، ولهذا قد تحتاج الامورالى المزيد من الوقت قبل ان تتبلور المواقف بشكل واضح وجلي، لكن ما هو ثابت ان معظم القوى السياسية اللبنانية «شاهد ما شفش حاجة»، وتلعب دور «الكومبارس» في مسرحية للكبار فقط.
ابراهيم ناصر الدين- الديار