رئيسي في دمشق بعد عبداللهيان في بيروت… رسائل متعددة الاتجاهات!
بعد زيارة وزير الخارجية الايراني حسين أمير عبداللهيان الى بيروت، يصل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي على رأس وفد سياسي واقتصادي كبير إلى دمشق، غدا الأربعاء، في زيارة تستمر يومين هي الأولى لرئيس إيراني الى سوريا منذ اندلاع الأحداث فيها عام 2011، وبعد زيارة الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد في أيلول 2010.
وتنهمك الدوائر المختصّة في البلدين في التحضير لبرنامج الزيارة التي يُراد لها أن تكون احتفالية، وأن تحمل إشارات على انتصار المحور الذي يضمّ البلدين، خصوصاً بعد توجّه دول عربية عديدة، على رأسها السعودية، للانفتاح على دمشق.
وأفاد ناشطون سوريون عن إزالة صورة قاسم سليماني والحاجز الامني من أمام السفارة الايرانية في دمشق، عشية وصول الرئيس الايراني ابراهيم رئيسي الى البلاد. فما هي الرسائل التي تحملها هذه الزيارات؟
المحلل السياسي الدكتور خالد العزي يؤكد لـ”المركزية” ان “عبداللهيان حمل معه رسالتين واضحتين، الاولى إلى حزب الله بشكل اساسي مفادها أن ايران لا تدعم اي مرشح لبناني وان دور الحزب ليس تعطيل انتخاب رئيس للجمهورية بل هو أمام مهمّة صعبة، ليس مهمة تقوم على الاستفادة من الانفراج السعودي – الايراني. وبالتالي قطع عبداللهيان الشك باليقين بأن ايران ليس لديها مرشح بل انها تدعم اي مرشح يختاره اللبنانيون، بما معناه ان على الحزب ان يتوقف عن معاداة “التيار الوطني الحر” لأن الحاجة إليه ما زالت قائمة، وبالتالي فإن ذلك يتطلّب منه ان يخطو باتجاه “التيار” للتوافق على رئيس مشترك. وهذا يعني ان حظوظ تيار المردة سليمان فرنجية الرئاسية سيئة عربياً ودولياً. الحزب كان صادقاً معه وأعطاه فرصة لكن في الوقت عينه لا يمكنه التخلي عن “التيار” لأنه لا يزال يؤمن له غطاء، لذلك طلب عبداللهيان من الحزب القيام بتنازل واضح. إلا ان هذا التنازل لا يعني بأن الحزب سحب مرشحه بل هو يحاول إدارة علاقة جديدة من خلال طرح شخصية موافق عليها من الحزب والثنائي وبعض السنّة والمسيحيين بشخص التيار وتأمين الـ 65 صوتا له. لكن الدور الذي تقوم به ايران تعطيلي وليس انفراجيا، وهذا يعود الى ان الاتفاق السعودي – الايراني لم يوقّع مع عبداللهيان وانما مع علي اكبر شمخاني المحسوب على الحرس الثوري واليوم هو بيد المرشد. اذاً، هناك خلاف فعلي بين الحرس الثوري الذي يمثله عبداللهيان كونه وزير الحرس الثوري وبين رئيسي الذي لبّى طموحات الحرس الثوري. لذلك، فإن المهمّة الثانية التي جاء من أجلها عبداللهيان هي الذهاب الى الجنوب اللبناني الى مارون الراس ليقول بأن المقاومة اقوى اليوم وسنرد على اسرائيل. فيكون بذلك قد أخذ حزب الله وحماس والحرس الثوري والسوريين في إطار تصعيد المواجهة مع اسرائيل”.
ويضيف العزي: “هناك محاولة للاستفادة من الاجواء الحاصلة ما بين ايران والسعودية في لبنان، وقد تجلّى ذلك في خطاب حزب الله الهادئ نحو السعودية لأن هذا ما تريده طهران. كما يتضح ان السعوديين والايرانيين لم يتفقوا على تسمية رئيس او تسوية في لبنان، وتُرِك هذا الملف مفتوحا امام الفرنسي الذي يتخبّط كالسمك في الماء نتيجة عدم القراءة الجيدة لما تمثله الشرائح اللبنانية وطبيعة العلاقة مع الدولة والدويلة”، مشيراً الى ان “عبداللهيان لن ينجح في انتخاب او تسهيل انتخاب رئيس للجمهورية توافقي يُجمِع عليه اللبنانيون، لذلك، يسعى لإنقاذ لبنان من ازمته الاقتصادية والاجتماعية نتيجة هذه الطبقة الفاسدة. لكننا منذ العام 2000 ولبنان يسمع النغمة ذاتها من ايران وبأنها ستساعد في مجال الكهرباء والنفط، إلا ان هذه الوعود بقيت حبرا على ورق، والاسباب عديدة، وأهمها العقوبات الاميركية على ايران وسوريا، إضافة الى الوضع الاقتصادي المتردي في الداخل الايراني”.
ويؤكد العزي ان “عبداللهيان يستفيد من الانفراج السعودي وهو يقوم برحلات الى الدول العربية لإظهار الهامش الحركي لايران في الشرق الاوسط والاشارة بأنها غير معنية بما يتخذه الاوروبيون والاميركيون، وفي الوقت نفسه تريد ان تغطي عما يجري في الداخل الايراني من اضطهاد للشعب عبر دبلوماسية الحرس الثوري المكوكية التي تجول في دول عدة ويستفيد من هذا الانفراج”.
اما عن زيارة رئيسي الى سوريا فيقول: “جاء ليضع النقاط على الحروف مع النظام السوري. يريد ان “يُفَوتِر” كل ما دفعته ايران في سوريا ضمن امتيازات وشركات وحصص يريد الحصول عليها وتغيير ديمغرافي وتوطين لجنسيات جلبتها ايران ووعدتها بالتوطين من باكستانيين بنغلاديشيين افغانيين يمنيين عراقيين… لأن ايران ليست جمعية خيرية، وكل الدول تقوم على العقيدة نفسها وهي ان الدعم التلقائي والمفتوح هدفه الوصول الى المصالح التي يجب ان يُدفع ثمنها لاحقاً”، معتبراً ان “رئيسي وتحديدا الحرس الثوري هو من عطل تنفيذ سوريا للشروط العربية تمهيدا لعودتها واحتضانها في القمة العربية في السعودية. المملكة فتحت يديها باتجاه سوريا التي عليها تلقف هذه الدعوة. طبعا الرئيس السوري بشار الاسد ذكي جدا ويحاول ان يلعب على حد السكين كما لعب مع الروس في عملية التوازن، يحتضن الايرانيين ويبتعد عن الروس ومن ثم يعود، لكنه لا يعطي الفرصة لأي طرف لتحقيق هدفه. الجميع بات يعلم ان هذا النظام لا يمون على شيء في سوريا، هو يتلاعب على الجميع لمصلحته الخاصة لكن قراره عند الحرس الثوري الايراني، وسوريا محتلة من خمس دول وبالتالي هو ذهب الى السعودية ليقول انه يستطيع اغلاق ملف المخدرات، ولكن هذا الملف يؤمن لسوريا 7 مليارات دولار، إذا اعطوه اياها يصبح مستعدا لإقفاله، هذا يعني بأن بشار الاسد ونظامه مرتبطان بأقوى مافيا عالمية هي مافيا المخدرات التي تمنع اسقاطه نتيجة المصالح. ورأينا ان النظام السوري اصبح يموّل ويهرّب الى كل الدول العالم مخدرات وكبتاغون ويستخدم لبنان والعراق والاردن وتركيا للوصول الى اوروبا والخليج وغيرها”.
ويختم العزي: “اذاً هذا النظام لن يقفل شركات المخدرات، وبالتالي ستبقى الحدود مفتوحة ويبقى حزب الله وايران موجودين في سوريا. من هنا، يعلم الجميع ان من اعاق التطبيع بين الاسد والرئيس التركي رجب طيب اردوغان هم الايرانيون أنفسهم لأنهم يرون بأن اي تقارب سوري تركي سيكون على حساب مصلحتهم وبالتالي سيخرجهم من سوريا حتى لو أُمّن الروس لهم حماية مصالحهم. هم يريدون ان تبقى الحالة كما هي عليه لابتزاز اسرائيل والولايات المتحدة للذهاب باتجاه توقيع اتفاق نووي جديد بشروطهم”.
المركزية