تظاهرة الحزب الشيوعي تنقلب عراكاً بسبب يافطة ضد الأسد!

بضعة آلاف من المواطنين بقيافة عملانيّة وسترات حمراء موسومة برمز “المنجل والمطرقة” ومتشحين بالكوفيات القطنية.. هم مجموع من لبّى دعوة الحزب الشيوعي السّنوية بمناسبة يوم العمّال العالمي، لتظاهرة “شعبيّة” يقودها العمّال الكادحون في لبنان، ليحتفي ويخطب بهم ويحثهم على الاتحاد، كتعبيرٍ تمرديّ انسحب فيما بعد لفلكلورٍ كرنفالي مُكرّر وإرثٍ عاطفي يضمحل بالتقادم.

وفيما لم تحمل هذه التظاهرة التّي انطلقت من محلة البربير صباح اليوم الإثنين، الواحد من أيار الجاري، باتجاه ساحة رياض الصلح، أي جديّة أو جديد يُذكر، أكان سياسيًّا أو حتّى مطلبيًّا، واقتصرت على رفع اليافطات بشعاراتها مُعادة التدوير والأهازيج والأناشيد الثوريّة الشيوعيّة، انتهت هذه التظاهرة وبصورة استثنائية على سجالٍ أكدّ فيه الحزب الشيوعي اللبناني مجدّدًا إمعانه في سياسة الاستتباع والمبايعة وهشاشة الخطاب والانغماس الفادح في المهادنة.

تظاهرة “شعبية”

حثّ الشيوعيون المتظاهرون الخطى على امتداد الطريق من البربير نزولاً حتّى وسط بيروت بمسيرة حاشدة. مشوا بأعلامهم الحمراء المبهرجة، وعلّت أصواتهم بالهتافات، حتّى آخر نقطةٍ من مسيرتهم في ساحة رياض الصلح، وانصرفوا عندها لترديد الأغاني والأناشيد ومن جملتها النشيد الأممي، ثمّ وقف بعدها أمينهم العام حنّا غريب خاطبًا، اعتلاه الصراخ كعادته، وهو يُطالب بالعدالة الاجتماعية وحقوق العمّال لما يناهز الثلث ساعة.

ولحظة انتهاء الخطبة المطولّة وما تلاها من بيانات شاجبة واستنكاريّة للأزمة الاقتصادية وتدهور حال العمّال والموظفين في لبنان، تجمهر المشاركون في وسط السّاحة لترديد الأهازيج ورفع اليافطات الاحتجاجيّة وفتح النقاشات فيما بينهم، وعلى الضدّ من كل المرات السّابقة، علّت لافتات ضمّت مطالبات “بوقف الترحيل القسريّ للاجئين” والداعية لوقف التحريض العنصري تجاه العمّال الأجانب. وشعارات مثل: “يا عمال لبنان، اللبنانيين والسوريين والفلسطينيين، اتحدوا!”، حملتها مجموعة من المشاركين بالتظاهرة من الحزبيين والمؤيدين واليساريين والناشطين.

وبعد لحظات من رفع اللافتات، التّي قوبلت بدعم رهط لا يُستهان به من المنظمين والمنتسبين، اشتدّ الخلاف بين المجموعة الحاملة للافتات وبعض المنتسبين للحزب الشيوعي الرافضين لمحتوى إحداها المكتوب عليها حرفيًا: “العودة الآمنة مستحيلة بوجود الأسد”. وما لبث الخلاف أن امتد للاعتداء اللفظيّ والجسديّ والتضارب بالأيدي مع المجموعة هذه، ليتطور الصدام فيما بعد إلى استقدام عدد من الشيوعيين لعناصر مكافحة الشغب، التّي قامت بتفرقة الطرفين بالتعاون مع العناصر الحزبية باستعمال القوّة المفرطة، التّي تسببت بجرح عدد منهم، فيما نجح العناصر بطرد المجموعة من السّاحة. وتناقل البعض خبر إصابة أحد الشيوعيين (منسق قطاع الشباب والطلاب في الحزب) بكسور في يدّه بسبب التضارب والاعتداءات الجسدية التّي طالت الطرفين. هذا وقد أشارت مصادر “المدن” الأمنيّة إلى عدم توقيف أي من المشاركين.

تفاصيل السّجال
في حديثه مع “المدن”، يُشير الناشط هاشم عدنان، وهو أحد المشاركين لما أسماه تجمعاً عفويّاً تلقائياً لا إطار سياسياً له سوى كونه مؤلفاً من شباب وشابات رافضين للتحريض العنصريّ الذي تبثه السّلطات اللبنانية تجاه اللاجئين والعمّال الأجانب وحملات الترحيل القسريّة والانتهاكات التعسفية بحق الفئات الأكثر هشاشة في لبنان، والمنددين بتنصل السّلطات اللبنانيّة وعلى رأسها حزب الله والنظام السّوري من مسؤولية اللاجئين، ولاحقًا ابتزاز المجتمع الدولي لشحذ المزيد من المساعدات. والذين أحبّوا المشاركة في تظاهرة الحزب الشيوعي بمناسبة الأول من أيار، بوصفه “حزب الطبقة العاملة” والجامع للعمّال بمختلف مواقعهم والمناهض التاريخي لكل سياسات الإقصاء والتهميش وإهدار الحقوق، وخصوصاً حقوق العمال.

ويقول: “حملنا شعارات مناهضة لكل التعبئة التحريضيّة التّي تنتهجها السّلطات بحقّ اللاجئين، مطالبين بحمايتهم كعمّال استغلتهم هذه السّلطة لسنوات، واليوم تقوم بأفظع أشكال الانتهاكات بحقهم، وفي مقدمتها الحملات الأمنيّة الزجريّة على مساكن اللاجئين لترحيلهم”. ويُضيف عدنان: “وفيما رفعنا هذه اللافتات التّي قوبلت بدعم غالبية المتواجدين، إلا أن تيارًا فاشيًا رجعيًا يُحب الأسد وحلفاءه لم يقبل بها، فتكتلوا حولنا وحاوطونا مصرّين على إخفاء اليافطات، فانهال علينا نحن المتظاهرين وحتّى المنتسبين المرحبين بالشعارات بالشتائم والتهديد والوعيد، ومن ثم محاولة الاعتداء علينا جسديًا بالضرب وتبليغ مكافحة الشغب لطردنا”.

الحزب الشيوعي “الممانع”
منذ يوم نشر الحزب الشيوعي على صفحاته الرسميّة الافتراضية بيانًا استنكاريًا أدان فيه التحريض العنصري ضدّ اللاجئين والاستثمار السياسي والمالي في قضيتهم، ودعا لتنظيم العمالة الوافدة، إلا أن النافر كان في جملة البيان، دعوة الحزب للحكومة اللبنانية في الإسراع للتواصل مع الجهات الدوليّة ومع الحكومة السوريّة لتنسيق العودة الطوعية والآمنة للاجئين السّوريين. هذه النقطة التّي لم يستأنسها شطرٌ لا يُستهان به من مناصري الحزب واليسارين، الذين سخروا لاحقًا وبُعيد السّجال الذي حصل صباح اليوم، من كون الحزب أساسًا قد ذيل بيانه بالدعوة لتظاهرة الواحد من أيار بكونها أبلغ ردّ عملي على حملات التطرف العنصري الذي تبناها أصلاً في جملة البيان ضمنيًا، والموائمة لخطاب السّلطة التّي تدعي إمكانية العودة الآمنة للاجئين بالرغم من التحذيرات والرفض الدوليّ.

أما اللافتة التّي حملت اتهامًا لنظام الأسد وذمًّا لإجرامه وأثارت بلبلةً وامتعاضًا لدى بعض المنتسبين للحزب الشيوعي في تظاهرة فلكلورية شبه ميتة، وأججت حفيظتهم، هي دليل واضح على أن الحزب الشيوعي بغالبية منظميه ومسؤوليه وعناصره ومناصريه يبطنون نوعًا من الخشيّة والرهاب والطاعة المجانيّة والتبعيّة الاحتياطية الحاثة على المهادنة في الخطاب جهارًا أو خفيةً. هذه المهادنة لصالح حلفائه الجُدد من النظام السّوري وحلفائه من الميليشيات على حساب رموزه التّي قتلها هؤلاء أنفسهم. وهذا الحزب الذي دفع أثمانًا باهظة طيلة سنوات الاحتلال السّوري خصوصاً في تسعينيات القرن الماضي ومطلع القران الحالي لتمسكه بمبدأ الاستقلالية والشعارات الوطنيّة والحريّات، نفسه اليوم يقمع متظاهرين ويلجأ للقوى الأمنيّة لطردهم، مستأنفًا سياسة حلفائه من “الممانعة” في قمع وترهيب واقتلاع وتمييع الخطاب المعارض لهم.

المدن

مقالات ذات صلة