في غياب الحلول لأسوأ أزمة اقتصادية.. تظاهرة خجولة في بيروت

أخذ اللبنانيون قسطاً من الراحة في عيد العمال وغابت السياسة عن هذا اليوم لتحل مكانها مواقف السياسيين التي لا تُطعم فقيراً ولا تثنيه عن جوع أو تعليم أو طبابة أو تعيد له ودائع محجوزة في مصرف. فعيد العمال يعود ولبنان يعاني أسوأ أزمة اقتصادية مالية في تاريخه، مع انهيار الليرة أمام الدولار، الذي قفز فوق الـ100 ألف ليرة قبل أن يستقر منذ عيد الفطر على سعر 97000 من دون أي ضمانات بتحقيقه قفزات جديدة تزيد من معاناة العمال، الذين تراجعت قدراتهم الشرائية وبات قسم كبير منهم في هجرة أو بطالة، في ظل مزاحمة اليد العاملة السورية التي باتت تشكّل غالبية الطبقة العاملة في معظم المناطق اللبنانية.

وسألت قطاعات عمالية “أي عيد عمال في بلد تبلغ نسبة البطالة فيه 40 في المئة والتضخّم 260 في المئة؟ وأي عيد عمال وهم يقبضون بالليرة ويدفعون بالدولار؟”.

وقد ارتفعت الشكوى في عيد العمال من مختلف القطاعات العمالية بسبب عدم التزام الحكومة والوزارات المختصة بمعالجة الأوضاع وعدم الاهتمام أو القدرة على تأمين الحياة الكريمة لفئة العمال وخصوصاً في القطاع العام الذي بات العاملون فيه يمتنعون عن التوجّه إلى وزاراتهم وإداراتهم، لاسيما أن رواتبهم الشهرية لا تكفي لملء خزانات سياراتهم بالوقود لأكثر من 4 أو 5 صفائح بنزين. وقد ارتدّ هذا الأمر سلباً على مداخيل الدولة بسبب إقفال هذه الإدارات وتقنين العمل فيها ليومين أو ثلاثة ايام على الأكثر.

وترك ارتفاع أسعار المشتقات النفطية تداعياته على مجمل الخدمات الحياتية من الكهرباء والمياه وفواتير المولدات الكهربائية وصولاً إلى أسعار المواد الغذائية.

واحتجاجاً على عدم التزام الحكومة بمعالجة مطالب السائقين العموميين وإيجاد حل لارتفاع أسعار البنزين وتقاعس الوزارات المعنية عن القيام بواجباتها تجاه قطاع النقل العام، دعا تجمّع السائقين إلى تحرك غير مسبوق يوم الثلاثاء للمطالبة “بوقف التعديات الحاصلة من قبل السيارات الخصوصية والدراجات النارية والتطبيقات غير الشرعية والتوك توك”، ويهدّد تحرك السائقين باحتجاز المواطنين في سياراتهم على الطرقات وإحداث زحمة سير خانقة.

وليس المزارعون بأفضل حال، إذ يشكون من غلاء مواد الرش واليد العاملة ومن شراء منتجاتهم الزراعية بأقل الأسعار ليتم بيعها في السوبرماركت للمستهلكين بأغلى الأسعار. وينضم إلى المزارعين المعلمون في المدارس الرسمية الذين على الرغم من مضاعفة رواتبهم بالليرة إلا أنها تبقى غير كافية لتأمين حياتهم الكريمة.

وفي غياب المعالجات وزيف الوعود نتيجة تقصير الحكومة عن توفير شبكة الأمان الاجتماعي وعجز المجلس النيابي عن عقد ورشة تشريعية تنتج قوانين تنصف العمال، اعتبر بعضهم “أن الأول من نيسان/إبريل يبقى أكثر صدقاً من الأول من أيار/مايو”.

وفي هذه المناسبة، غابت التحركات العمالية الاحتجاجية الفاعلة والمؤثرة، واقتصرت على تظاهرة خجولة نظمها “الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين في لبنان” من منطقة الكولا في اتجاه ساحة رياض الصلح، لتنضم إلى تظاهرة الحزب الشيوعي بمشاركة عدد من النقابيين الإسبان وعمال وعاملات أجنبيات لاسيما من أفريقيا.

وسبق انطلاق التظاهرة كلمة لرئيس الاتحاد كاسترو عبدالله انتقد فيها “رهن لبنان من قبل حكومته وسلطته لصندوق النقد الدولي ولإملاءاته”، معتبراً ان “لبنان بلد منهوب ومسروق وليس مفلساً”، داعياً “كل القوى والنقابات العمالية وموظفي الإدارات العامة إلى توحيد الكلمة والموقف لتصعيد وتيرة المواجهة الشاملة ضد الحكومة والوصول إلى إعلان العصيان المدني الشامل في كل لبنان”.

وفي المواقف الرسمية، حيّا رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي العمال في عيدهم. وقال: “كل التقدير والمحبة لجميع العمال في هذا اليوم المجيد الذي يجسّد أسمى معاني النضال والكفاح في مسيرة الحياة والعيش الكريم”. وأضاف: “تحية خاصة في هذه المناسبة أوجهها لجميع العاملين في القطاع العام وأقول لهم: إننا ندرك الظروف الصعبة التي تعيشونها، ونقدّر التضحيات التي تبذلونها في سبيل الحفاظ على كيان الدولة ومؤسساتها وإداراتها، وما اتخذته الحكومة من اجراءات أخيراً ليس سوى القليل مما تستحقونه، ولكن الإمكانات التي تعرفونها حتّمت ان تكون التقديمات بأفضل الممكن. وكلنا أمل أنه، بالتعاون معكم والتفاهم المتبادل، يمكننا التوصل إلى حلول تدريجية أكثر انصافاً، تؤمن لكم العيش اللائق، وتعطيكم القليل مما تستحقونه”. وختم: “دورة الإنتاج والعمل عمادها ركيزتان هما الدولة والقطاع الخاص، وباذن الله سيستمر التعاون بين الجانبين وستتوطد أسسه لخير الجميع. كل عيد والجميع بخير”.

وقال رئيس مجلس النواب نبيه بري: “وحدهم عمال لبنان يصنعون العيد ولا يعيّدون…ولا يعطلون.. قولهم والعمل، لهم في كل ميادين عملهم الف تحية وانحناءة”. ورأى “أن خير تهنئة للعمال في يوم عملهم وعد خير العمل ومن دون هوادة لحماية جنى أعمارهم وتلبية حقوقهم المشروعة في كل ما يعزز حياتهم الكريمة وأولأ وأخيراً العمل في سبيل لبنان وتفعيل مؤسساته الدستورية وحفظه وطناً نهائياً لجميع أبنائه مهما غلت التضحيات”.

من ناحيته، غرّد رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل على “تويتر”: “اليوم عيد العمال يلّي لقمتهم كرامتهم. المزارع، النجار، المعمرجي، الحدّاد، يلي بيشتغل بمصنع ومستشفى، بينظّف طرقات وبيجمع نفايات.. عمّال لبنان ينعاد عليكم، انتو الطاقة البنّاءة، منكم منتعلّم الصمود ومعكم منكمّل نضالنا حتى نبني دولة تأمّن حقوقكم وتضمن مستقبلكم”.

أما الحزب التقدمي الاشتراكي الذي يصادف الأول من أيار ذكرى تأسيسه الـ 74، فأصدر بياناً أكد فيه ما يلي: “هي أربعةٌ وسبعون عامًا مضت على تأسيس الحزب التقدمي الإشتراكي خطّ فيها محطات مشرقة في لبنان والمنطقة، وأعطى فيها بلا هوادة إنجازات ساطعة رغم كل محاولات التشويه والتعمية وطمس التاريخ، وكتب بدماء مناضليه وعرقهم وتعبهم وإصرارهم صفحات من مجد، ولم يتوان عن تقديم أغلى ما لديه لأجل الإيمان المطلق بقدسية الإنسان وكرامته، ولأجل الحرية في كل مكان، من لبنان إلى فلسطين، إلى كل بقاع الأرض. أربعةٌ وسبعون عاماً لم يكن فيها الحزب إلا في مقدمة المسار النضالي لأجل المواطنة وتطوير الدولة والمؤسسات وتعزيز الحريات والديمقراطية، وترسيخ سيادة القانون، وقيام دولة الرعاية الإجتماعية والمساواة، رغم المصاعب والعقبات. ويعيد اليوم في ذكرى تأسيسه التأكيد على الخيارات العقلانية التي يضعها ميزانًا لعمله السياسي، وعلى الرؤية التطويرية التي وضعها لبناء الدولة وسعى لها بشتى الوسائل، طارحًا البرامج والأفكار الآيلة إليها، ومُقدّمًا التضحيات في سبيلها، وقد عمل جاهدًا لتثبيت هذه القيم والمبادئ على المستوى السياسي والاجتماعي والتشريعي والحكومي والوطني، فنجح مرات وأخفق مرات أخرى”.

واضاف البيان “لقد نشأ الحزب التقدمي الإشتراكي على فكرة العدالة الإجتماعية، وناضل لأجل حقوق ذوي الدخل المحدود والعمال والفقراء، ولا يزال اليوم يواصل الجهد بحثاً عن حل يوقف حال الانهيار ويفتح الباب أمام إعادة الانتظام إلى المؤسسات الدستورية عبر انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة فاعلة إنقاذية قادرة على القيام بالإصلاحات الضرورية، قبل أن يأخذ الانهيار معه كل شيء، وكي لا تعود مشاريع تقسيم البلاد، التي تهدد مستقبل كل اللبنانيين. ويجدد الحزب في ذكرى تأسيسه التزامه كل المطالب النقابية والعمالية والتربوية والشبابية المحقة، ويتعهد أمام كل الرفيقات والرفاق والمناصرين وجميع اللبنانيين باستمرار نضاله بإرادة لا تكل هادفة إلى تحقيق كرامة الإنسان وصون حقوقه وقيام الدولة، ومنع المزيد من المآسي”.

بدوره، غرّد الأمين العام للتنظيم الشعبي الناصري النائب أسامة سعد في عيد العمال قائلاً: ‏”لا عيد لهم، لاحقوق لهم، لا حماية نقابية أو قانونية لهم… وعمال لبنان ومزارعوه وموظفوه وكادحوه وفئاته المنتجة يعيشون أصعب أيامهم، ودون وازع من أخلاق أو ضمير سلطات لبنان المجرمة أهدرت حقوقهم… فليتواصل النضال دفاعاً عن كرامة الإنسان في لبنان”.

مقالات ذات صلة