استغرق إعدادها سنوات… ما الخطة الأمنية المرافقة لتتويج ملك بريطانيا؟
سيكون حفل تتويج تشارلز ملكاً على بريطانيا في السادس من مايو (أيار)، مهمة “معقدة” ومتشعبة بالنسبة إلى أجهزة الشرطة التي تعمل بجد لمنع حدوث أي تهديدات إرهابية محتملة، أو احتجاجات تخريبية، أو تسلل مجرمين انتهازيين وسط الحشود الكثيفة التي ستشارك في المناسبة الاحتفالية.
وفي هذا الإطار سيتم استدعاء آلاف من عناصر قوى الأمن من مختلف أنحاء المملكة المتحدة، لتولي المسؤولية الأمنية لهذا الحدث، الذي يقام بعد أشهر من تنظيم عملية أمنية ضخمة لحماية جنازة الملكة الراحلة إليزابيث الثانية.
وفي هذا السياق، علمت “اندبندنت” أن سلطات البلاد تستعد لاحتمال حدوث احتجاجات كبيرة، فيما تقوم بمراقبة جماعات متطرفة من “جهاديين” ونازيين جدد وغيرهم من المتطرفين، الذين يعتبرون أن العائلة المالكة تعد رمزاً للدولة البريطانية.
وسيتم نشر عناصر شرطة مزودين بأسلحة نارية لحراسة المدعوين إلى حضور احتفال التتويج والشخصيات الأجنبية البارزة، فيما ستتولى الشرطة أيضاً مسؤولية ضمان سلامة مواقع الحدث.
وقبل حفل التتويج، ستعمل فرق بحث متخصصة على إجراء مسح شامل للطريق الذي سيسلكه الموكب الملكي – المقرر أن ينطلق من “قصر باكنغهام” إلى كاتدرائية “وستمنستر آبي” – تحسباً لتهديدات محتملة قد تكون مخفية في أكشاك الهواتف، أو مسارب الصرف الصحي أو مستوعبات القمامة، أو غيرها من الأساليب الشائعة الأخرى، قبل أن تعمد إلى إغلاق الطرقات.
إضافة إلى ذلك، سيتمركز قناصة على أسطح المنازل، وستقوم عناصر مسلحة علنية وسرية بدوريات لحماية الحشود والأفراد البارزين المشاركين في الحدث.
يشار إلى أن الإعلان عن موعد التتويج قبل نحو أشهر، قد منح أي جهة عدائية محتملة وقتاً أطول للتخطيط، مما كانت عليه الحال في جنازة الملكة، لكن الأجهزة الأمنية كان لديها هي أيضاً مزيد من الوقت لتتبع أي تهديدات ومواجهتها.
ولضمان سلامة الشخصيات البارزة والجمهور المتوقع أن تغص به شوارع العاصمة البريطانية لندن خلال المناسبة، سيتم أيضاً وضع حواجز أسمنتية على الطرقات، وتعزيز الحضور الأمني للشرطة في مواقع مختلفة.
وفي هذا الإطار، أوضح ضابط سابق في جهاز الحماية الملكي لـ”اندبندنت”، أن مهابة مراسم جنازة الملكة الراحلة أسهمت في ثني جماعات الاحتجاجات عن التسبب بأي اضطرابات، خشية أن “تضر بسمعتها” من خلال إثارة غضب عام ضدها.
وأشار سايمون مورغان إلى أنه “في حين أن جماعات الاحتجاج لم تسبب الفوضى آنذاك، إلا أن هناك مخاوف مؤكدة أن الجهات المطالبة بتحويل بريطانيا إلى جمهورية وغيرهم من الجماعات البيئية ستحاول عرض مطالبها خلال حفل التتويج هذه المرة”.
وقال إن “المخاطر تبدو مختلفة بعض الشيء هذه المرة. فعلى رغم أن الملك قال إنه سيعمد إلى تبسيط المراسم الاحتفالية، فإن الحدث لن يخلو من كبار أفراد العائلة المالكة والمسؤولين الحكوميين وشخصيات عالمية مرموقة”.
وأضاف “إن الحدث ينطوي على تهديدات مختلفة، ما يجعل التعامل معها معقداً للغاية”.
وكانت مجموعة حملة “الجمهورية” Republic المناهضة للملكية، قد تعهدت عدم القيام بأي أعمال تعطل يوم الاحتفال في السادس من مايو (أيار)، وأنها ستعمد بدلاً من ذلك إلى تنظيم احتجاجات على طول طريق مرور الموكب الملكي، وإقامة تجمع حاشد بعنوان “إنه ليس ملكي” Not my King في ميدان “ترافالغار سكوير” (القريب من “قصر باكنغهام”).
لكن السلطات البريطانية تتخوف من محاولة منظمات أخرى أو متظاهرين منفردين، افتعال اضطرابات أو إغلاق الطرق، وذلك بعد أن تعهدت الحكومة قمع أي محاولة لعرقلة الطرقات السريعة، وأي احتجاجات بتنفيذ مسيرات “بطيئة الوتيرة”.
غافين ستيفنز، رئيس “مجلس قادة الشرطة الوطنية” National Police Chiefs” Council، أكد لـ”اندبندنت” أن وحدات من “جميع أنحاء المملكة المتحدة” ستشارك في هذه العملية الضخمة. وأضاف “كان للشرطة دور مهم للغاية في ضمان سلامة جميع المشاركين في مناسبتي (اليوبيل البلاتيني/ 70 عاماً على تولي الملكة إليزابيث الثانية العرش) وجنازة الملكة، وسنكون فخورين للغاية بأن نقوم بذلك مرة أخرى الأسبوع المقبل”.
وطمأن ستيفنز – رداً على سؤال عما إذا كان نقل عناصر من القوى الإقليمية إلى لندن سيؤثر في أمن المجتمعات خارج العاصمة – إلى أن “الشرطة تتمتع بمرونة قوية”، وبأن تنسيق هذا الجهد الوطني هو جزء من المسؤوليات التي يضطلع بها. وقال “لقد عملنا بجد مع زملائنا في شرطة العاصمة كي نحرص على ضمان الأمن والسلامة والنجاح لتلك اللحظة التي تشكل محطة مهمة في تاريخ بلادنا”.
أما الضابط السابق مورغان، الذي يتولى الآن منصب مدير العمليات في شركة “تروجان الاستشارية” الأمنية Trojan Consultancy، فأوضح أن العمل كان جارياً على قدم وساق منذ “أعوام عدة”، في إطار “عملية الجرم السماوي الذهبي” Operation Golden Orb، وهو الاسم الرمزي لخطط تتويج الملك تشارلز.
وقال إن كبار المسؤولين قاموا بمراجعة العملية وتعديلها بعد وفاة الملكة، والتحقق من أي تغييرات في مستوى التهديد الإرهابي، خصوصاً بعد تصاعد نشاط الحزب الجمهوري المنشق في إيرلندا الشمالية.
وأضاف مورغان أن التحليل الاستخباراتي سيشمل أيضاً مطاردي أفراد الأسرة الملكية الذين يركزون “جل اهتمامهم” على الشؤون المتعلقة بالملك وعائلته، لافتاً إلى أنه سيتعين على العناصر الميدانيين أيضاً التعامل مع “الحالات الجرمية الظرفية” الناشئة، كالسرقة والنشل والجرائم الجنسية التي يمكن أن ترتكب وسط الحشود.
ووصف العملية الأمنية بأنها “عمل شرطي ضخم” قائلاً، “إن مهمتنا لا تقتصر على حماية الأفراد فحسب، بل أيضاً على حفظ سمعة مؤسستنا والمبادئ التي تمثلها، إضافة إلى الآثار المترتبة عنها على حكومة جلالة الملك، والصورة التي تعكسها في جميع أنحاء العالم”.
ولفت إلى أن “المخاطر كبيرة – فإذا حدث خطأ ما، سيبث فوراً على الشاشات، وقد ينعكس على مكانة بريطانيا وسمعتها في العالم”.