الدّاخل ينتظر “كلمة سرّ” خارجية لم تأتِ بعد… للسير على هداها!
يوم الخميس الماضي، في 27 نيسان الجاري، خرج رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي ليقول في العلن، خلال لقاء صحافي، ما يقوله وآخرون سرّاً وفي حلقات ضيقة، برغم أنّ كلامه بات إنطباعاً عاماً سائداً لدى اللبنانيين، خاصّتهم وعامّتهم، وإنْ حاولوا في أحيان كثيرة إنكاره على طريقة وضع النعامة رأسها في الرمال.
فقد خلع برّي في موقفه قفّازات الحرير ووضع النقاط على الحروف من دون حرج وإنْ مع كثير من القلق، وكاد يسمّي الأشياء بأسمائها، عندما رأى بأنّ “الخارج لا الداخل هو الذي يشتغل بالرئاسة اللبنانية، كأنّه هو وحده من يصنعها”، مضيفاً: “ما أسمعه أخيراً لا يريحني ويطمئنني. المؤسف أنّنا بتنا نعتمد على الخارج في انتخابات الرئاسة. كلّ طرف يغني على مواله ويملك فيتو وله شروطه. لا نسمع ببوادر حلول مقدار ما نجد أنفسنا محاطين بفيتوات من كلّ جهة”.
إشتغال الخارج بانتخابات رئاسة الجمهورية في لبنان أكثر من الدّاخل ليس جديداً، أقله منذ إقرار إتفاق الطائف عام 1989 وفي أعقاب إنتهاء الحرب الأهلية 1975 ـ 1990، إذ أنّ انتخاب الرئيس رينيه معوض قبل اغتياله بعد 17 يوماً في ذكرى عيد الإستقلال، في 21 تشرين الثاني عام 1989، وانتخاب الرئيس الياس الهراوي بعده، كان قراراً خارجياً بامتياز، شاركت فيه الولايات المتحدة وسوريا والسّعودية، تحديداً، إلى جانب وسطاء عرب وأجانب لعبوا أدواراً ثانوية ومساعدة.
هذا السيناريو تكرّر في انتخاب الرئيس إميل لحود عام 1998، قبل أن تنقلب هذه المعادلة بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط 2005،واختل معها التوازن الداخلي، ما أدى إلى فراغ رئاسي عام 2007 لم ينتهِ إلا بعد أحداث 7 أيّار عام 2008 الذي أفضى حينها إلى اتفاق الدوحة لينتج بقرارٍ خارجي إنتخاب الرئيس ميشال سليمان رئيساً جديداً للجمهورية، كان الأطراف الداخليين مجرد موقّعين عليه، قبل أن يسفر الكباش الداخلي والإنقسام الذي رافقه، على وقع الأحداث في سوريا والمنطقة، في فراغٍ رئاسي آخر عام 2014 إمتد نحو سنتين ونصف، إنتهى في 30 تشرين الأوّل عام 2016 بانتخاب الرئيس ميشال عون رئيساً للجمهورية، وهو انتخاب كان الخارج مشارك فيه، برغم أنّ القوى الداخلية حاولت تصوير نفسها على أنّها هي من صنعته عبر توافق حصل بينها، قبل أن تنقلب عليه بعدما تفرّقت حسابات حقلها مع حسابات بيدرها.
المشهد نفسه تكرّر مجدّداً مع نهاية ولاية عون في 30 تشرين الأوّل عام 2023، ذلك أنّ انشغال الخارج بملفات أكثر أهمية من الملف اللبناني، على وقع إعادة ترتيب أوراق المنطقة والتحالفات فيها، وضع الملف اللبناني على الرفّ مؤقّتاً، لكنّه بقي ملفاً ممسوكاً بأيدٍ خارجية، في ظلّ إنقسام الأطراف في الداخل اللبناني على أنفسهم، وصراعاتهم الداخلية التي لا تنتهي وزادت منها نتائج الإنتخابات النيابيّة الأخيرة حدّة، ما جعل ملف الرئاسة في آخر إهتمامات القوى اللبنانية التي تصرّ، عن بصيرة أو بشكل أعمى، على التعاطي مع ملف الرئاسة من منظور مصالحها الضيّقة جدّاً، بانتظار أن يقول الخارج “كلمة السرّ” في الإستحقاق الرئاسي ليمشوا على هداها.
عبد الكافي الصمد