أين تتجه العلاقات السعودية – اللبنانية: هل فهم لبنان الرسالة؟

في 25 آب (أغسطس) 1984، اقتحم نحو 150 من اللبنانيين الشيعة المتشددين سفارة المملكة العربية السعودية في بيروت. حطم المهاجمون النوافذ وأحرقوا الوثائق والصور الرسمية. في تلك الأثناء، كان الجنود اللبنانيون يشاهدون جرائم النهب أمام أعينهم من دون أن يحركوا ساكناً.

في الثاني من كانون الثاني (يناير) 2016، قام متظاهرون إيرانيون بإحراق مبنى السفارة السعودية في طهران ومقر قنصليتها في مدينة مشهد. كان هذا الاعتداء هو أسلوب “الحرس الثوري” الإيراني في الرد على خصومه. بعد أيام قليلة، اجتمع مجلس وزراء خارجية الدول العربية، وأدان الهجوم على السفارة تضامناً مع الرياض.

أوقفت السعودية مساعداتها لتسليح الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي اللبنانية والتي تقدر بحوالى أربعة مليارات دولار “نظراً للمواقف اللبنانية التي لا تنسجم مع العلاقات الأخوية بين البلدين”. كذلك أعربت دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية عن تأييدها التام لقرار الرياض بإجراء مراجعة شاملة لعلاقاتها مع بيروت.

امتنع لبنان عن التصويت على قرار الوزراء العرب، ونأى بنفسه عن قرار الجامعة إدانة سلوك إيران. بل واعترض وزير خارجية لبنان، آنذاك، رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، على ربط “حزب الله” بأعمال إرهابية. لم يكن هذا التصرف مستغرباً، فباسيل هو صهر العماد ميشال عون، المرشح في تلك الفترة للرئاسة الأولى بدعم من “حزب الله”.

لم تفقد الرياض الأمل، بل حاولت “جس نبض” عون، واستقبلته في الزيارة الأولى له إلى الخارج بعد 9 أسابيع على تسلمه دفة الرئاسة. إلا أن الرئيس عون أدلى بعد زيارته للسعودية بشهرين، بمواقف، تعاكس الآمال من وراء الانفتاح السعودي على لبنان، بل شدد على ضرورة وجود سلاح “حزب الله” في لبنان.

طفح الكيل في السعودية مرة أخرى تزامناً مع مراعاة عون لعداء صهره باسيل للرياض. الموقف اللبناني الرسمي المعادي للسعودية والمحابي لإيران أبعد عودة لبنان إلى حاضنته العربية، وسجل إساءة جديدة لتاريخ لبنان.

في تشرين الثاني (نوفمبر) 2021، بثت وسائل الإعلام اللبنانية تصريحات عدائية مُستَغرَبة ضد السعودية من الوزير اللبناني الأسبق جورج قرداحي قبل تعيينه وزيراً للإعلام. استمر الانهيار الذي أصاب العلاقة بين بيروت والرياض وعواصم خليجية أخرى بعد تراكمات من التأزم والتوتر لأعوام عدة. أما (وعود) لبنان على مدى السنوات الأخيرة لتصويب مسار تلك العلاقة، فقد ذهبت كلها أدراج الرياح.

رغم وقوف السعودية إلى جانب لبنان في كل المراحل الصعبة التي مر بها، ومساندته من دون تفريق بين طوائفه وفئاته، إلا أن المملكة قوبلت مراراً وتكراراً بتحريض “حزب الله” اللبناني وإصراره على موقفه العدائي. لذلك، فإن رفع الرياض يدها عن بذل أي جهود إضافية في لبنان، لم يأتِ من فراغ، فالوضع اللبناني الراهن خطير ولا يبشر بالخير.

أين تتجه العلاقات السعودية – اللبنانية؟ تصريح وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان مؤخراً جاء واضحاً؛ على الساسة في لبنان أن يقدموا المصلحة اللبنانية على كل مصلحة، ومتى تم اتخاذ القرار في لبنان للعمل على بناء الدولة اللبنانية فسوف يزدهر لبنان بالتأكيد والمملكة ستكون معه. كذلك كان وزير الخارجية السعودي واضحاً في إشارته إلى أن “لبنان يحتاج إلى تقارب لبناني وليس إلى تقارب إيراني – سعودي”.

آخر الكلام. نأمل بأن تكون رسالة الرياض قد وصلت واضحة خلال لقاء وزير الخارجية الإيراني الأسبوع الماضي مع الأمين العام لـ”حزب الله” في بيروت، وأن يفهم الأخير التطورات السياسية بحكمة وموضوعية، وبخاصة تأكيد حصرية السلاح في يد الدولة اللبنانية.

عبدالله العلمي – النهار العربي

مقالات ذات صلة