فرنجية: “ثقة السيد” تكفي المرشح التابع للـ”حزب” كشعارٍ انتخابي وحيد!
خلال الانتخابات النيابية اللبنانية في دورتي 2018 و2022، اقتصرت شعارات “حزب الله” على رايات صفراء مكتوب عليها “نبني ونحمي”، هذا إذا نحينا جانباً حملات التخوين والترهيب التي خاضها الحزب ضد كل مرشح خصم أو منافس، وكان بعض مرشحي حزب الله يروجون لأنفسهم في القرى والحارات والمناطق، يعلقون صورهم على جدران المنازل وذرى أعمدة الإنارة، مرفقة بعبارة “ثقة السيد”(أمين عام حزب الله حسن نصرالله)…
لم يكن المرشح الحزبي أو التابع لـ”حزب الله”، يحتاج أكثر من العبارة المذكورة، لا يلزمه عناوين مثل “متخرج في جامعات أميركا أو فرنسا”، ولا حتى قائد ميداني في المقاومة، ولا “طبيب الفقراء”، ولا “حامي الدستور”، ولا “صاحب المواقف الصلبة”، ولا “رجل الحوار”، ولا “رجل القرارات”، ولا خريج الحوزات الدينية في النجف العراقية أو قم الايرانية… “ثقة السيد” تكفي المرشح الشيعي التابع للـ”حزب”، ليشعر بأمان وبسهولة اختياره أو انتخابه…
ما قاله سليمان فرنجية، المرشح الرئاسي، والنائب والوزير السابق، ورئيس تيار المردة، والزعيم الزغرتاوي، ونجل الوزير الراحل طوني فرنجية، وحفيد الرئيس الراحل سليمان فرنجية، وقريب حميد وسمير فرنجية، ووالد النائب الحالي طوني فرجية، هو بمنزلة شعارات بعض مرشحي “حزب الله” في الانتخابات النيابية، ففرنجية في جولاته الانتخابية على الشخصيات المعنية، السياسية والدينية، وإطلالته التلفزيونية والفايسبوكية، يقول باختصار أنه يمتلك “ثقة السيد” أولاً (نصرالله)ـ وثقة سيادة الرئيس (بشار الأسد) صديق العائلة ثانياً، وهو يعلم أنّ هذه الـ”ثقة” رصيده الوحيد ومصدر قوته، لكنها لا تكفي للامساك بتوقيع رئيس “جمهورية الكون”، ففي جريرة كلامه، وحديثه وحتى صمته ومشاركته في مؤتمر للسفارة السعودية او زيارته للعاصمة الفرنسية وتسريباته الصحافية، يبحث فرنجية عن ثِقات أخرى، عربية ودولية متأرجحة ورمادية ومحلية مسيحية متعنتة… لكن تبقى “ثقة السيد” نقطة الانطلاق والعضلات الوحيدة، وربما يتوهم فرنجية أنها كافية لتجعله رئيساً باعتبار أنه يسير على لعبة الوقت وينتظر استسلام الخصوم أو المنافسين ومللهم في لحظة أو من خلال تسوية دولية…
وقبل أن يعلن فرنجية ترشيحه على الملأ، كان السيد نصرالله سبقه، في إعلان مواصفات الرئيس المقبل وأنه أو حزبه يريدون رئيساً لا يطعن بظهر المقاومة، وهو يقصد أنه يريد فرنجية بشكل أو بأخر، أو المواصفات التي قالها تنطبق عليه، وسرعان ما أعلن ترشيحه… ولم يحصل فرنجية الأسدي الهوى و”الخط”، على “ثقة السيد” إلا بعد سنوات طوال ومتقلّبة، فيقال إنه في العام 2004 بلغت الرئاسة حلق فرنجية قبل أن يسحبها التمديد للرئيس اميل لحود، وقيل إنه عندما طرح الأسد خيار فرنجية على “حزب الله”، كان ردّ أمينه العام حينها أنهم لا يعرفون زعيم “المردة” كفاية، وتالياً فإن الحزب لا يمكن ان يمشي بمرشح لا يعرفه ولا يَطْمَئنّ إليه.
ومع ذلك، غداة التعبئة والتحشيد لتظاهرة 8 آذار 2005 الشهيرة تحت شعار “شكرا سوريا” في وسط بيروت، قال سليمان فرنجية بما معناه السياسي إنه “ابن الخط” وذاهب لاحضان حزب الله” الذي “لم يكن يَطْمَئنّ إليه كفاية”، وعام 2016 جاءت فرصته للرئاسية بعد ترشيحه من قبل سعد الحريري، لكن “حزب الله” كان يعتبر ميشال عون مرشحاً وحيداً، وزاد من تعثر حظ فرنجية، قوطبة قائد القوات اللبنانية سمير جعجع واعلانه “اتفاق معراب” مع عون وباسيل من باب النكاية، وبقي فرنجية في خندق الممانعة، ملتزما “الخط” ومنتظراً، وهو في ترشيحه الآن يقول إنه بالمونة يستطيع الحصول من “حزب الله” والنظام السوري على ما لا يمكن للاخرين الحصول عليه، وهو ليس صاحب خطة اقتصادية ولا نهضوية ولا انقاذية، لكنه يريد ترك “بصمة”، يريد الحوار حول الاستراتجية الدفاعية، ويرفض بقاء ملف النازحين على صورته الراهنة.. كل كلامه يفيد بأنه صاحب واسطة أو ثقة وليس صاحب مشروع يقدمه. إذا ما اعتبر فرنجية أنّ بحوزته ثقة “السيد” وثقة “سيادة الرئيس”، فهذه بالنسبة إلى خصومه مآخذ عليه، فهي تجعل من الرئاسة تحت سيطرة “حزب الله”، الذي لديه أجنداته ومشروعه، ويدرك فرنجية وغيره السقف المسموح له في ظل “حزب الله”، وتحديداً في ما يتعلق بالسلاح والاستراتجية الدفاعية.
بختصار، كأن سليمان فرنجية يقول “أعطوني الرئاسة وخذوا ما يدهش العالم”، على نحو ما كان أمين الجميل في زمن الحرب يقول “أعطونا السلام وخذوا ما يدهش العالم”، وبين الزمنين، الاستنتاج الواضح أننا في “زمن اللارئاسة” في بلد النكايات والكيديات وهرطقات المحاور.
محمد حجيري- المدن