كابوس جماعي للشعب اللبناني!
الحلم هو الحرية الوحيدة المطلقة في العالم، أما الكتب عن تفسير الأحلام فكثيرة، لكنني أعتقد أن بوسع (الحالم) وحده تفسير حلمه. ما من حرية في حياتنا تشبه الحلم. الأسير الفلسطيني في سجون إسرائيل يستطيع أن يحلم بأنه خارج سجنه يعيش حياة أخرى، وحين يستيقظ يعي أنه مازال حيث هو، وأنه غادر سجنه في الحلم فقط. يستطيع العاشق أن يحلم بما يتمناه، أو ما يتوهم ذلك، وفي الحلم قد يهرب من (المحبوبة) المزعومة. أجمل ما في الحلم هو الحرية. فأنت تعيش حلمك بمفردك، لا يعرف أحد به، وكتب تفسير الأحلام الكثيرة ليست دقيقة في نظري. فالحلم أمر شخصي جداً وسري ووحدك تطلع عليه.
كتب في تفسير الأحلام
كثيرة هي الكتب التي تحاول “تفسير الأحلام” لكنني لا أصدق حرفاً مما جاء فيها. فصاحب الحلم هو وحده يمكن أن يفسر حلمه إذا أراد ذلك مهما كان مؤلماً أو مبهجاً. في جلسة من زمان، في حانة “ديوك اوف ولنغتون” في بيروت قبل الحرب جمعتنا مع الشاعر أدونيس، قال له زوجي عني إنني أحلم كثيراً وأروي حلمي له كأنني أرتاح منه، وقال لي أدونيس: سجلي أحلامك. فقد تدعمك أدبياً. واستمعت إلى نصيحة أدونيس وارتاحت الأسرة من ثرثرتي اليومية عما شاهدته في حلمي. ولاحظت أن بعض الأحلام تتكرر كما بعض الكوابيس، وكنت أحلم كثيراً بأنني أطير كأي عصفور وأحزن حين أستيقظ وأجد نفسي على أرض الواقع.
الأدب والأحلام
ثم إنني صرت ألحظ التداخل بين كتاباتي الروائية وأحلامي. ولكيلا أطيل، أذكر أن في خاتمة روايتي الأخيرة “يا دمشق وداعاً” تكاد بطلة الرواية تقرر الانتحار لعجزها عن مرافقة جثمان والدها على الحدود بين لبنان وسوريا لحضور دفنه، وترمي بنفسها من علو شاهق في اتجاه البحر لكي تنتحر، لكنها تكتشف أجنحتها وتطير وتطير فوق أحزانها ومأساتها.
لاحظت أيضاً أن بعض سطور روايتي “كوابيس بيروت” مستمد من أحلامي.
أما الكوابيس فكثيرة.. ولعلي استمددت عنوان روايتي “كوابيس بيروت” منها وترجمت الرواية إلى عدة لغات. أما الكابوس فلا يستطيع ترجمته من الداخل سواي.. والمدهش في الأحلام والكوابيس أن لا يستطيع تفسيرها سوى صاحبها مهما تكاثرت الكتب حول ذلك، وأقوال العالم فرويد وسواه كثيرة. ولكن حلم الطيران يراودني بكثرة، كأنني عصفور وتحولت إلى امرأة! وشكراً للشاعر أدونيس الذي نصحني من زمان بتسجيل أحلامي كتابة، فقد وجدت فيها كنزاً لأعمالي الروائية! أعرف أن الكثيرين ينسون أحلامهم لحظة اليقظة ولهم التهاني مني على ذلك، فحياتنا اليومية تكفينا ولسنا بحاجة إلى حياة أخرى قد يحرجنا أن نرويها أو حتى نتذكرها!
ليلة رحيل زوجي والأبواب مغلقة
ليلة رحيل زوجي أعطتني إحدى الممرضات في المستشفى حيث رحل، “حبة” قالت إنها ستساعدني على النوم في تلك الليلة الحزينة التي أعود فيها إلى البيت بدون زوجي! حلمت ليلتها بأنني ذاهبة لزيارته في المستشفى والمكان خاو تماماً ولونه أبيض، وحين فتحت باب غرفته وجدت أنه من المستحيل الدخول إليها؛ فخلف الباب جدار! وكلما فتحت باباً أو نافذة وجدت خلفها جداراً. أهو الموت؟
أهو استحالة الاتصال مع الراحلين إلى الموت؟ كان حلماً شبيهاً بالكابوس واستيقظت دامعة.
القراء والأحلام والكوابيس
أغبط الذين ينسون أحلامهم لحظة اليقظة. يعرفون أنهم حلموا لكن الواقع يختلط بالحلم لديهم. فالأحلام ليست دائماً مصدراً للراحة النفسية، أما الذين يصرون على تفسير أحلامهم ويتوهمون أن بوسع سواهم ذلك، فلم لا إذا كان ذلك يريحهم. والكتب كثيرة عن تفسير الأحلام، منها مثلاً كتاب “التفسير الإبداعي للأحلام”، تأليف ستانلر كريثر وجوزيف ديلارو -ترجمة أيمن عزام، ومراجعة رضوى إبراهيم، ونشره المركز القومي للترجمة القاهرة سنة 2021. وهو كتاب قيم لا ينسى فرويد وكتابه عن “تفسير الأحلام”. من طرفي، أعتقد أن الوحيد الذي يستطع تفسير حلمه هو الحالم وحده.. وما زلت أجد في أحلامي رافداً لرواياتي ولكنني أميز بين الحلم والواقع.. وأجد أن أجمل ما في الحلم هو الحرية المطلقة.
كوابيس لبنانية معاصرة
أحياناً يتحول ما كان حلماً إلى كابوس يومي في اليقظة. ويشترك في مشاهدة ذلك الكابوس كثيرون. وأتحدث الآن عن لبنان وما يدور فيه من انهيارات مالية ومعيشية وكهربائية وغير ذلك، حتى إن الفقر دفع بكثيرين إلى الانتحار هرباً من الواقع.. هذه الكوابيس اللبنانية هي للأسف ما يدور.
هل انتهى لبنان الحلم ودخلنا في مرحلة لبنان الكابوس؟ هذا الكابوس مشترك يعيشه كل لبناني، وإذا كان الحلم قضية سرية لا يشاركك أحد فيها، فإن الكابوس اللبناني صار قضية عامة تكتب الصحف عنها كل يوم. لقد انهارت الليرة اللبنانية، وهذا ليس حلماً بل هو كابوس وطني مشترك. البنوك ترفض دفع أموال المودعين، حتى إن بعضهم صار يحمل السلاح ويقتحم بعض البنوك لا لسرقتها بل لمنعها من سرقته ولاستعادة أموال أودعها فيها. وصارت بعض البنوك تحمي نفسها من هجوم المودعين مثل سارق يحمي نفسه من المسروق. وجاء الانفجار المروع في مرفأ بيروت، وتذكرت أنني كنت التقيت هناك بالأديب الكبير طه حسين بوساطة من الراحل سهيل إدريس، الذي ذكّره بأنني ابنة صديقه رئيس جامعة دمشق يومئذ ووزير التربية والتعليم.. أبي الحبيب.
وذهبت إليه في المرفأ، حيث حدث الانفجار بعد أعوام.
قد تستطيع تفسير الكوابيس التي تعيشها بيروت والتي جعلت رئيس الجمهورية الفرنسية السيد ماكرون يتفقدها وتبكي على كتفه لبنانية هدم الانفجار بيتها.. من المرعب أن تصير الحقيقة كابوساً، وينهدم الجدار بين الحلم والكابوس! ويصير الكابوس جماعياً.