إيران تحسم هيمنتها في الساحة اللبنانية… وعبد اللهيان يغطي استعصاء “حزب الله” الرئاسي!
عبد اللهيان يغطي استعصاء “حزب الله” الرئاسي … استثمار إيراني للبنان بعد العلاقات مع السعودية
في الزيارة الرابعة خلال سنتين إلى لبنان، والثالثة خلال سنة تقريباً، أكد وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان أهمية الساحة اللبنانية بالنسبة لاستراتيجية طهران في المنطقة، وإن كان لم يرفع شارة النصر هذه المرة كما في زيارات سابقة كانت تراهن فيها إيران على قرب ولادة الاتفاق النووي، متسلحة بشروطها وبخطوطها الحمر التي لا تتنازل عنها، وأبرزها دورها في المنطقة ونفوذها بأذرعها المسلحة والسياسية فيها.
قصد الوزير الإيراني لبنان قبل سوريا، بعد الاتفاق الإيراني – السعودي وعودة العلاقات بين الدولتين برعاية صينية، للتأكيد أولاً على الدور الإيراني فيه من خلال “حزب الله” وللإشارة إلى أن سوريا هي الملف الثاني في الاتفاق بعد اليمن وأنه لا يمكن إبعاد النظام عن طهران التي بات لها كلمة أساسية فيه رغم الانفتاح العربي على دمشق فيما يبقى لبنان تابعاً وجزءاً من محورها في المواجهة.
لم يكن هناك حاجة لتصعيد المواقف من لبنان، إنما مقاربة جديدة مختلفة بعد التطورات التي حصلت أخيراً في الجنوب اللبناني والتي تولى “حزب الله” إخراج الموقف وتوحيد الجبهات، فغاب الحديث عن ضرورة فك الحصار عن لبنان، إنما لا بأس بتوجيه رسائل مبطنة إلى الأميركيين، فيشد عبد اللهيان على أيدي حلفائه مهنئاً على انجازاتهم التي تحققت بفعل صمود المقاومة ووحدتها في مواجهة الأعداء.
اختلفت زيارة عبد اللهيان إلى بيروت، هذه المرة عن سابقاتها في ما يتعلق بالوضعين الإقليمي والدولي، فبعد انسداد أفق المفاوضات النووية، فُتحت آفاق المحادثات الجانبية مع دول المنطقة، فيما ارتاح الوضع الداخلي الإيراني نسبياً ولم يعد مثقلاً بالأزمات في ضوء الاحتجاجات ضد النظام.
اكتسبت الزيارة أهميتها من كونها جاءت بعد الاتفاق السعودي – الإيراني، إذ فتح عبد اللهيان مساراً مختلفاً عن السابق يدل إلى الارتياح الإيراني للتطورات في المنطقة، فللمرة الأولى يعقد لقاء مع 25 نائباً لبنانياً يمثلون كتلاً نيابية مختلفة بعد دعوة وجهتها السفارة الإيرانية لهم. لكن الثابت لدى الإيرانيين يبقى اللقاءات مع القوى السياسية اللبنانية الممانعة ولقاءات عبد اللهيان مع الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله، ومع الفصائل الفلسطينية في بيروت، وزيارته إلى الحدود اللبنانية مع إسرائيل، وهي للتأكيد على الدعم الإيراني لقوى محور المقاومة انطلاقاً من اعتبار لبنان ساحة يمكن تحريكها في الوقت المناسب، بالتوازي مع الكلام الدبلوماسي الإيجابي في ما يتعلق بالاستحقاقات اللبنانية.
حملت زيارة عبد اللهيان الى بيروت الكثير من المؤشرات السياسية لكنها لا تغيّر النظرة الإيرانية إلى الساحة اللبنانية لجهة توظيفها ضمن استراتيجيتها في المنطقة، وإن كانت الأمور اليوم مفتوحة على التسويات إقليمياً، فهو حطّ في بيروت بعد زيارته سلطنة عُمان التي شهدت على مدار السنوات الماضية مفاوضات بين إيران والسعودية وأيضاً مفاوضات غير مباشرة بين طهران وواشنطن، كما حول الوضع السوري، ثم توجه إلى دمشق، بعكس زيارته السابقة التي انتقل فيها من بيروت إلى موسكو، وهذه الحركية الإيرانية تشير إلى التقدم الذي حدث في العلاقات السعودية – الإيرانية حيث تسعى طهران إلى لعب دور مختلف خصوصاً في سوريا ولبنان تحديداً مستفيدة من أجواء التقارب العربي مع النظام السوري، من دون أن تكون الاتهامات مسلطة عليها.
لا شك في أن زيارة عبد اللهيان هي تأكيد للرعاية الإيرانية لمحور المقاومة، فهي صبت في مصلحة حلفائها وأذرعتها انطلاقاً من شحنة الدعم الإيراني التي تلقوها، فإيران لن تتخلى عن لبنان بعد اتفاق بكين، لا بل إنها تعتبره في صلب أجندتها في المنطقة. وينعكس هذا الأمر على الاستحقاق الرئاسي، إذا لا مؤشرات على تراجع “حزب الله” عن تبنيه لخيار سليمان فرنجية مرشحاً للرئاسة، علماً أن عبد اللهيان ترك هذا الملف بتصرف “حزب الله”، ولا مؤشرات حول وجهة إيرانية لتقديم تنازلات فيه وفي غيره من الاستحقاقات، إنما استثمار للزيارة لتحسين الشروط في أي تسوية محتملة وفرض الرئيس الذي يريدونه.
وإذا كان عبد اللهيان تحدث بدبلوماسية خلال لقاءاته اللبنانية، قائلاً إن “إيران لطالما تمنّت الخير للبنان”، وشجّع جميع الجهات على تسريع عمليّة انتخاب رئيس للجمهوريّة، واستكمال العمليّة السّياسيّة في هذه الدّولة المهمّة في المنطقة، مشيراً إلى دعم إيران لأيّ انتخاب أو اتّفاق يحصل في لبنان بشأن انتخاب الرّئيس، “وندعو الجهات الأجنبيّة كافّة أيضاً إلى دعم هذا الانتخاب، من دون أيّ تدخّل في الشّأن الدّاخلي اللّبناني”، فإن الكلام الأخير في هذا الشأن يحيله الوزير الإيراني إلى “حزب الله” الذي حدد خياره على لسان نائب أمينه العام الشيخ نعيم قاسم، بدعوة اللبنانيين إلى الاختيار بين انتخاب فرنجية أو الفراغ.
اللافت في هذا السياق أن جولة عبد اللهيان تظهر أن إيران نجحت في تأمين متنفس لها في دول المنطقة، بعدما كادت تختنق داخلياً وخارجياً، ولذا تراجعت الاتهامات الأوروبية حول دورها في الحرب الروسية – الأوكرانية إلى جانب روسيا، فيما وفر لها الاتفاق مع السعودية حلولاً لملفات أساسية تبدأ من اليمن ولا تنتهي في سوريا، وتمكنت بعد انسداد أفق المفاوضات النووية من تعزيز وضعها في العراق، وها هي تثبت حضورها في المنطقة من خلال آليات جديدة تشرع وجودها في سوريا وحسم هيمنتها في الساحة اللبنانية.
لا تشكل جولة عبد اللهيان انعطافة سياسية في الملف اللبناني، باستثناء تعزيز مواقف “حزب الله” وتوفير تغطية لاستراتيجيته، فهو لم يقدّم أي مواقف تفصيلية متعلقة بالانتخابات الرئاسية، داعياً إلى ضرورة التوافق والتفاهم بين اللبنانيين مع بعضهم البعض. يعني ذلك ثبات السياسة الإيرانية في دعم مواقف محور الممانعة ولا تغيير في النهج ولا تنازلات في الملف اللبناني الذي يعتبر ركيزة من خلال فائض القوة التي يتمتع بها “حزب الله”، بل تأكيد للحفاظ على المكتسبات التي تحققت خلال الفترة الماضية.
تبقى بيروت بالنسبة إلى الإيرانيين ساحة نفوذ بفعل فائض قوة “حزب الله”، وإحدى العواصم الأربع التي يتحكمون بها وفق أجندتهم، وهي تبقى متنفساً لإطلاق مواقف وتوجيه رسائل إلى غير جهة ومكان. ومن الواضح أن لا جديد يمكن أن يقدمه الإيرانيون للبنان، ما دامت الطروحات التي قدمها عبد اللهيان هي نفسها في زياراته السابقة حول الشأن الاقتصادي وبناء معامل كهرباء، لم ينتج منها سوى مزيد من التضعضع في البنية اللبنانية، إنما أيضاً ما تؤكده الوقائع على الأرض بإبقاء لبنان جبهة في كل المواجهات. إيران تستمر بتعبئة الفراغ اللبناني وتعزيز وضع حلفائها في البلد، وإن كان ذلك عبر خطاب دبلوماسي هادئ يستثمر في كل شيء.
ابراهيم حيدر- النهار العربي