في الملفّ الرئاسي “الفارغ”: لا “فيتو” سعوديّاً على “أيّ اسم”!
لا يملك لبنان في رصيده الاقتصادي ما هو أهمّ وأكبر من قطاع الخدمات، ومن ضمنه القطاع السياحي. منذ منتصف القرن الفائت وما تلاه، وصولاً إلى الحرب اللبنانية، كانت “سويسرا الشرق” مقصداً للعرب أوّلاً، وللعالم ثانياً. مع انتهاء الحرب، عاد الحال إلى ما كان عليه قبلها. الفارق هو معادلة جديدة فرضها الأمر الواقع، وهي معادلة “الاقتصاد مقابل السلاح” في ظلّ “الوصاية السورية” على لبنان. وحتى لو توقّفنا عند بعض الآراء المتفاوتة بشأن سياسة الرئيس الشهيد رفيق الحريري الاقتصادية إلا أنّه لا تباين في أنّ وضع لبنان وبيروت كان أفضل حالاً ممّا هو عليه اليوم. وحتى لو توقّفنا عند آراء منتقدي “سوليدير”، لا يمكن إلا أن نقول إنّنا نشتاق لبيروت المضاءة ولشوارعها التي تعجّ بالسيّاح ويعمل في مطاعمها وأسواقها شباب لبنانيون يعيلون ذويهم ويدفعون أقساطهم الجامعية.
يتعامل الغرب اليوم مع لبنان بالمنطق المعتاد، ويتجلّى ذلك في الملفّ الرئاسي “الفارغ”. لكنّ الأميركيين والأوروبيين يفوتهم، على ما يبدو، أنّ متغيّراً مهمّاً طرأ على سياسة دول الخليج واستراتيجيّاتها. لم تعُد أيٌّ من هذ الدول، وعلى رأسها السعودية في عهد الملك سلمان ووليّ العهد محمد بن سلمان، كما كانت قبلاً. تتعامل المملكة بـ”استقلالية” وفق مصالحها ومصالح مواطنيها. تتمنّى الخير للجوار، لكنّها غير مستعدّة للذهاب أبعد من اللبنانيين أنفسهم، ولا أن تكون “أمّ الصبي” وتتعامل مع لبنان أو غيره وفق ثوب مفصّل في الغرب يُراد إلباسه في الشرق إن لم يتناسب مع مصالحها المُعلنة في أكثر من مناسبة، وعلى رأسها “حسن عيش المواطن السعودي”.
لم تترك الرياض بيروت، لكنّها تصالحت مع فكرة أنّ لبنان ترك حاضنته العربية. وانطلاقاً من هذه النقطة تحديداً قد يكون من الأنجع قراءةُ الملفّ الرئاسي وعدم الوقوع في فخّ كلمة “الفيتو السعودي”. وفي هذا الإطار لا بدّ من ذكر الحقائق التالية:
أوّلاً: لا مصالح للسعودية اليوم في لبنان. فيما للأخير مصالح مع الرياض والخليج عموماً. وأيّ رئيس يأتي إلى بعبدا بغضّ النظر عن اسمه وتمثيله سيترتّب عليه استرجاع الثقة العربية والخليجية إن كان ينوي انتشال لبنان من أزماته.
ثانياً: لا مشكلة سعودية مع أيّ اسم ما دام ينتهج سياسة حسن الجوار ويلتزم سياسة النأي بالنفس ويضمن الاستقرار للبنان ويمنع تحويل البلاد مجدّداً إلى منصّة سياسية وميليشيوية وإعلامية ضدّ دول الخليج الشقيقة، وعلى رأسها السعودية.
ثالثاً: يعود للّبنانيين وحدهم اختيار رئيسهم العتيد. فالرياض تحترم سيادة الدول وتتعامل معها وفق المصالح المشتركة والمتبادلة. من هنا يترتّب على اللبنانيين ورئيسهم المقبل التصرّف بالحكمة الضرورية لاستعادة ثقة المجتمع العربي، حتى قبل استعادة ثقة المجتمع الدولي.
رابعاً: لن تتدخّل السعودية أو تضع “فيتو” على أيّ رئيس، لكنّها ستمدّد الفيتو على “لبنان – السياسي” لـ 6 سنوات مقبلة إذا كان الرئيس العتيد امتداداً لسياسة السلف ميشال عون الذي قدّم أوراق اعتماده لحزب الله وتصرّف وفق أجندة الحزب بعيداً عن مصالح الشعب اللبناني وحوّل البلاد إلى منصّة تهديد للجوار العربي والخليجي.
عليه لا فيتو من الرياض على أيّ رئيس، بل هناك ترقّب سعودي لِما سيفعله أيّ رئيس مقبل لشعبه ولدول الجوار.
إزاء هذه الوقائع لا بدّ من طرح مجموعة أسئلة على الداخل اللبناني، وخصوصاً السياسي: هل يمكن لرئيس أتى به حزب الله الوقوف بوجهه متى قرّر تنفيذ قرار خارجي بتحويل لبنان مجدّداً إلى منصة تهديد للجوار؟ هل تستقرّ البلاد أمنيّاً وتقدّم الضمانات اللازمة لإعادة الاستثمارات العربية والدولية إلى البلاد؟ هل ينشط القطاع السياحي ويعود العرب إلى ربوع لبنان بدون خوف على حياتهم من ميليشوي هنا، أو خاطف أو سارق هناك، أو عدوّ للأشقّاء العرب هنالك؟
حبّذا لو يعلم اللبنانيون أن لا خلاص للبنان إلّا باستعادة دوره الخدماتي، وعلى رأسه استقطاب وتفعيل السياحة وتشجيع العرب على الاصطياف في ربوعه من دون أن يتعرّض الهدوء والاستقرار لصواريخ عبثية تنطلق من الجنوب فتهدّد موسم الصيف قبل أن يبدأ وتطيح بالسياحة. ففي كلّ ذلك تكمن شروط العودة. فمن هو الرئيس الذي سيعمل على ضمان وتنفيذ هذه الشروط، وعلى رأسها الأمن والاستقرار وسياسة حسن الجوار؟
في الخلاصة يمكن القول إنّه لا فيتو سعوديّاً على أيّ اسم يصل إلى الرئاسة، بل الفيتو هو على المعايير السائدة حالياً والمستمرّة منذ 6 سنوات ونيّف والتي فرضتها قوى الممانعة وتسلّط السلاح. لم يتغيّر موقف السعودية من الملفّ الرئاسي اللبناني، فالمعايير هي نفسها، وقد كانت وما تزال تنطبق على أيّ رئيس سيتسلّم مقاليد الحكم في بعبدا.
بديع يونس- اساس