«العزلة» أسوأ من التدخين والسمنة: 8 ساعات من الوحدة قد تؤدي الى الموت!
الإحساس بالوحدة امر قاس وله مساوئ جسيمة، وشعور ثقيل ينتج منه القلق الذي يُفضي الى الاكتئاب، الى جانب الاضرار الصحية والامراض التي قد يُبتلى بها المنعزل وتؤدي الى هدر جهده وتجعله متوحشا لأتفه الأسباب.
أظهرت دراسات حديثة ان العزلة الدائمة قد تُعّرّض الفرد لخطر الأذى الجسدي، وقد يشابه تأثيرها الحرمان من الطعام لساعات طويلة. وقد أفادت احدى الدراسات ان قضاء 8 ساعات من الشعور بالوحدة، يمكن ان تستنزف الطاقة وتزيد من التعب، وأشارت الى ان اضرار العزلة تتفاقم بمرور الوقت، وقد تصل مخاطرها الى الوفاة.
ووفق دراسة حديثة نشرت في مجلة AGING ان الوحدة قد تكون أسوأ من التدخين، وأحيانا قد تنجم عنها أخطار صحية تفوق السمنة، وتشكل عاملا في تسريع الشيخوخة. وبحسب الدراسة، تعجّل الوحدة واليأس والحزن مظاهر تقدم العمر نحو الشيخوخة بما يصل الى عام و8 أشهر. وهذا أكثر بـ 5 أشهر مما يتسبب به التدخين.
وفي هذا الإطار، وبعد دراسات ومقارنات قام بها الباحثون، تبين ان الإحساس بالوحدة او التعاسة هو السبب الأهم للسقوط السريع. اذ يزيد عمر بيولوجي واحد بمقدار 20 شهرا، ثم يأتي من بعده التدخين بزيادة نحو سنة و3 أشهر الى عمر الانسان.
وفي السياق، توصل الباحثون الى ان العامل النفسي له تأثير عظيم، ومن المهم عدم تجاهله في أبحاث الشيخوخة والعمر البيولوجي. وعن هذه الحالة تحدث المؤلف والمشارك في اعداد الدراسة فيدور جالكين قائلا: «ان النتائج الأساسية للدراسة هي ان جسدك وروحك مرتبطان». ونقلت صحيفة NEW YORK POST عن مانويل فاريا الباحث بجامعة بستانفورد «ان الحالات العقلية والنفسية اقوى مؤشرات التنبؤ بالنتائج الصحية».
العزلة تعادل 15 سيجارة
نقل موقع «آيريش تايم» عن الدكتور دايفيد روبنسون، وهو استشاري طب الشيخوخة في مستشفى سانت جيمس في ايرلندا، «ان المخاطر الصحية للعزلة المطوّلة تعادل تدخين 15 سيجارة في اليوم، وربط الوحدة بالاكتئاب، وعمد الى ربط جميع الدلالات السلبية لهذه الحالة، كالتراجع في النشاط الجسدي والاجتماعي، مؤكدا ان هذا الوضع قد يزيد من احتمالية خطر الإصابة بالخرف في وقت لاحق من الحياة».
بالتوازي، نشر موقع WEB MD بحث شمل 70 دراسة تمثل أكثر من 3.4 ملايين شخص، ووجد ان عامل العزلة الاجتماعية، او الشعور بالوحدة، او العيش منفردا، ضاعف من فرصة الوفاة المبكرة على الأقل مثل السمنة مع تزايد الشيخوخة، وتكهنت نتائج البحث ان يرتفع تأثيرها على الصحة العامة للشخص».
العزلة لِتجَنُّب الألم
الاختصاصية النفسية غنوة يونس اشارت لـ «الديار» الى «ان الوحدة تعتبر بمثابة الآلية الدفاعية عن النفس، لِتَوقّي الألم او الهروب للتخفيف منه. ومما لا شك فيه ان معظم الأشخاص قد يعانون في طور معين، فينعزلون خاصة في فترة الشباب. الا انها قد تتحول الى مضرة في حال استغرقت وقتا أطول مما ينبغي، وتخطت الأسابيع وحتى الشهور. وهذا انذار يشير الى ان المنعزل ليس طبيعيا، ويُصنّف وضعه على انه خطير، لذا يجب التدخل من المحيطين والمحتكين المباشرين به».
الانفراد يُؤذي جداً
واعتبرت يونس «ان بقاء الفرد منزويا لأوقات طويلة، قد يسهم في انخفاض القدرة على أداء المهمات اليومية، وهناك دراسة اشارت الى ان 59% ممن شملهم البحث هم أكثر عرضة لتجاهل الأمور الحياتية، كصعود السلالم او المشي الذي يعد أكثر صعوبة بالنسبة لهذه الفئة».
وحذرت بان الانقطاع الاجتماعي والاحساس بالوحدة «يضرّ بصحة الدماغ، وبحسب الدراسة، تم ربطهما بضعف الوظيفة الادراكية، وبالتالي زيادة خطر الإصابة بمرض الزهايمر او الخرف المبكر بنسبة تبلغ 50%».
الانعزال قد لا يكون داخل 4 جدران
وأوضحت انه «ليس شرطا ان يكون الانفصال بجلوس الفرد وحيدا وبإغلاق أبواب الغرفة عليه، بل من الممكن ان يكون له عائلة وأبناء، ومع ذلك يشعر بالوحدة من الداخل لإحساسه ان لا أحد يستوعبه، فيخسر قدرته على التعبير عن حاجاته ورغباته والاشياء التي يميل اليها، ما قد يدفعه الى الغياب. وبحسب هذا الشخص فان الانعزال يؤمن له الاختلاء بالنفس، الذي من خلاله يتحاشى الصراع مع الآخرين».
فوائد ضئيلة
وتحدثت يونس عن مضار الانزواء وهي كثيرة، مع فوائد جدا ضئيلة، مثل الدخول الى مرحلة الاعتزال التي يقوم الفرد من خلالها، بمراجعة حساباته سواء للتخلص من صدمات او بوضع اهداف جديدة وبنّاءة، وهنا تعتبر وحدة إيجابية، شرط ان لا يقطع علاقاته بالآخرين والعالم الخارجي، ولا تستغرق وقتا طويلا او تستمر، وقد يلوح ذلك بالانكفاء عن نشاطاته الاجتماعية، فيتوقف عن ممارسة هواياته او القيام بتمارين رياضية او التخلي عن الروتين اليومي الطبيعي».
بيئة للأمراض
واكدت يونس «ان الوحدة تتسبب بأمراض مزمنة قد تكون نفسية وعقلية، مثل الاكتئاب والقلق والتوتر، وقد يغضب الفرد من ابسط واقل الأشياء. وهذا ما ينمّي في عقل المنعزل فكرة عدم الانتماء للمجتمع الذي يعيش فيه، ويجعله غير قادر على التكيف والتفاعل مع محيطه، ويُهيئ له بيئة وجو متكدّرين، فيكون عرضة للقلق. الى جانب كل ما تقدم تخف مناعته الجسدية وقد يصاب بجلطة دماغية وسكتة قلبية».
الغضب
ولفتت « الى ان المنزوي يغضب سريعا، فيبدأ بالصراخ ويفتقد لحسن التصرف في المواقف الصعبة، ويقلل من قيمة كل شيء، وهذه عوارض انسحابية قد تؤدي الى الموت، لاعتقاده ان الحياة فارغة، ولا حكمة من وجوده فيها، ويجهل الاهداف التي يجب ان يصبو اليها، فيُقدم على الانتحار نتيجة الاكتئاب والاضطرابات النفسية، وقد يرحل نتيجة انعزاله أو لاعتلاله بأمراض جسدية».
الجهاز النفسي
وشددت «على ان بناء الجهاز النفسي المعافى يبدأ منذ الصغر، من خلال الانخراط بالمحيط وتكوين الذكاء الانفعالي وتطويره، وهذا ما يجعل الفرد متفاعلا مع بيئته عن طريق تشكيل صداقات، وهو امر ضروري وهام للنمو السليم والمتوازن، وهذه التفاصيل حاجة ملحة، كما جاءت في «هرم ماسلو» حتى يتمكّن الفرد من التقدم بطريقة صحيحة، وجاءت في المرتبة الثانية مباشرة بعد الطعام والغذاء والطبابة».
وختمت يونس «الانسان لا يمكنه العيش احاديا، كذلك الامر بالنسبة للفرح والسعادة، فالاستمتاع يحتاج الى مشاركة مع الآخرين».
ندى عبد الرزاق- الديار