هل خروج الموارنة من “الرئاسة” ومن إبتزاز الطرف الإيراني. .. يمثل حلاً؟
رئاسة الجمهورية صارت لابتزاز المسيحيين!
لا يزال الطريق طويلاً أمام تحقيق المصالحة السعوديّة – الإيرانيّة وأمام أن تكون لهذه المصالحة انعكاسات ما على لبنان.
لا بدّ، أوّلاً، من إيجاد جوّ ثقة متبادلة بين الجانبين السعودي والإيراني. لا يمكن خلق مثل هذا الجوّ من دون أن تكون “الجمهوريّة الإسلاميّة” دولة طبيعية تعرف حجمها الحقيقي من جهة… وتدرك أنّ شعار “تصدير الثورة” ليس سوى هرب من مشاكلها الداخليّة التي تفاقمت مع مرور الوقت من جهة أخرى.
من هذا المنطلق، يبدو الرهان على المصالحة السعوديّة – الإيرانيّة من أجل تحسّن الوضع اللبناني رهاناً مشكوكاً في نجاحه. يعود ذلك إلى استحالة معرفة ما الذي تريده إيران التي يمرّ النظام فيها بمرحلة انتقالية يصعب التكهّن بما إذا كانت ستؤدّي إلى تغيير ذي طابع إيجابي على الصعيدين الإيراني والإقليمي.
يبدو أنّ على اللبنانيين الانتظار طويلاً قبل معرفة ما إذا كانت إيران ستتغيّر وما إذا كانت ستتوقّف عن اعتبار بلدهم مجرّد ورقة في يدها تستطيع استخدامها في صفقات مع “الشيطان الأصغر” الإسرائيلي و”الشيطان الأكبر” الأميركي.
لغز الترسيم البحري
مَن لديه أدنى شكّ في ذلك، يستطيع سؤال نفسه لماذا اختارت “الجمهوريّة الإسلاميّة” توقيتاً معيّناً، هو الأيّام الأخيرة من نهاية ولاية الثنائي ميشال عون – جبران باسيل في تشرين الأوّل من العام الماضي، كي تسمح بترسيم الحدود البحريّة بين لبنان وإسرائيل؟
لا يزال الجواب عن هذا السؤال أقرب إلى لغز من أيّ شيء آخر. ما ليس لغزاً كيف يستطيع لبنان التعاطي مع ما يدور في المنطقة في وقت يتبيّن في كلّ يوم أن لا وجود لقيادة سياسية ومرجعية فيه غير قيادة واحدة هي “حزب الله”… بمرجعيّته الإيرانية.
في انتظار وصول لبنان إلى التحرّر من المأزق الذي وجد نفسه فيه، لا يبدو مفيداً أيُّ رهان على التقارب السعودي – الإيراني الذي كان برعاية الصين ذات المصلحة الحقيقية في هذا التقارب. تعود مصلحتها إلى اعتمادها، بنسبة كبيرة من حاجاتها، على النفط والغاز الخليجيَّين، خصوصاً على النفط السعودي.
لا يمكن الاستهانة بأهمّيّة البيان السعودي – الإيراني الصادر في آذار الماضي والرعاية الصينيّة له. ليس مستبعداً أن تكون للاتفاق أبعاد في غاية الأهمّيّة على الصعيدين الإقليمي والدولي. لكن لبنان سيبقى آخر المستفيدين من هذا الاتفاق في حال حصلت بالفعل مصالحة بين الرياض وطهران بفضل الصين.
تهويل صفي الدين
ما يثير الشكوك أكثر في احتمال استفادة لبنان من الاتفاق، أنّ “الجمهوريّة الإسلاميّة” لم ترسل إلى اليوم، في اتجاه لبنان، أيّ إشارة تشير إلى استعداد للتراجع والتصالح مع المنطق والواقع. يؤكّد ذلك الكلام الصادر عن هاشم صفيّ الدين أحد أبرز القياديين في الحزب. قال صفيّ الدين حديثاً قبل أيام: “إذا لم يسارع بعض اللبنانيين إلى ما يُعرض عليهم الآن، فسيأتي وقتٌ وهم غير قادرين على أن يحصلوا حتى على العرض الذي يُعرض عليهم اليوم، وبالتالي على هؤلاء أن يستعجلوا اغتنام هذه الفرصة. التأخير ليس لمصلحتهم على الإطلاق، لأنّهم فاقدون لأوراق القوّة التي يدّعون ويتخيّلون أنّهم يمتلكونها، ولكن في الحقيقة هم لا يمتلكونها”.
يُفهم من هذا الكلام التهويليّ الواضح والمباشر أنّ على مجلس النواب انتخاب سليمان فرنجيّة رئيساً للجمهورية… وإلّا لا رئيس جمهوريّة مسيحيّاً للبنان بعد الآن. الخيار الوحيد أمام اللبنانيين بين سليمان فرنجيّة والفراغ… مع إيحاء واضح بأنّ حرمان المسيحيين من موقع الرئاسة وارد!
هل يبقى المسيحيون أسرى موقع الرئاسة الذي لم يعُد من معنى له بعدما صارت “الجمهوريّة الإسلاميّة” تقرّر من هو رئيس الدولة في لبنان؟ استطاعت إيران أن تكون كذلك. تبدو مستعدّة لتكريس هذه القاعدة فيما هناك لبنانيون ينتظرون انعكاسات إيجابية من المصالحة السعوديّة – الإيرانية!
مرّة أخرى، هذه المصالحة حدث مهمّ عربياً وإقليمياً ودولياً، خصوصاً في ضوء الرعاية الصينيّة لها، في ضوء إصرار سعودي على دور بيجينغ. لكن، قبل لبنان يأتي اليمن وتعقيداته ومتاهاته… ويأتي العراق الذي تعتبره “الجمهوريّة الإسلاميّة” الجائزة الكبرى التي فازت بها. تأتي في هذا السياق سوريا حيث سترفض إيران عودة عقارب الساعة فيها إلى خلف بعدما تمكّنت من تغيير التركيبة الديمغرافيّة في مناطق معيّنة من هذا البلد.
خروج الموارنة من “الرئاسة”؟
هل خروج اللبناني عموماً والمسيحي خصوصاً من أسر موقع رئاسة الجمهورية المسيحي ومن الابتزاز الذي يمارسه الطرف الإيراني، يمثّل حلّاً؟
ثمّة حاجة إلى التفكير جدّيّاً في هذا الطرح الذي لديه ترجمة على الأرض في غير مصلحة لبنان واللبنانيين والمسيحيين منهم. أين مصلحة اللبناني في الخضوع للابتزاز الإيراني الذي يعني أن لا وجود لرئيس مسيحي (ماروني) إذا لم يكن أداة إيرانيّة على نسق ما حدث مع الثنائي ميشال عون – جبران باسيل؟ ليس صدفة انهيار النظام المصرفي في عهد الثنائي، وليس صدفة إغلاق ميشال عون الباب باكراً أمام تحقيق دولي في تفجير مرفأ بيروت صيف عام 2020.
خير الله خير الله