“تحت الوصاية” يمهّد لـ”نصر تشريعي” لأمّهات مصر

قبل أيام من عرض المسلسل التلفزيوني “تحت الوصاية”، في شهر رمضان الماضي، ومع ظهور “البوسترات” الدعائية له، اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي في مصر بسبب اتهامات أطلقها البعض، ضد صناع المسلسل ونجومه، بأنهم “يستهدفون الحجاب”، و”يرمون إلى تشويه صورة المحجبات”.

وجاءت تلك الاتهامات بعد ظهور “حنان” بطلة المسلسل التي تقوم بدورها الفنانة منى زكي، بمظهر رآه البعض “مسيئاً” ويهدف لإظهار المحجبات بصورة “قبيحة”، وذهبت افتراضات البعض إلى أن قصة المسلسل تدور حول فتاة تعاني من الحجاب، وأن وجهها سوف يصبح أكثر جمالاً وبهاء بعد أن تخلعه.

لكن أحداث المسلسل، في واقع الأمر، تدور حول سيدة اسمها حنان، تقوم بإعالة أطفالها، بعد وفاة زوجها (عادل)، معتمدة على مركب صيد أسماك، وتعاني خلال تلك الرحلة من مشكلات مع أشخاص من أسرة زوجها، يعطيهم القانون الحالي الأولوية في حق الوصاية على أطفالها… وخلال حلقات المسلسل تسعى للتصدي لهذه المشكلات.

تعديلات تشريعية

بينما كانت غالبية مستخدمي مواقع التواصل منشغلين بسجالات بشأن رفض أو تأييد تلك الاتهامات، كانت النائبة البرلمانية إيمان الألفي منهمكة في ترتيب أوراقها لتقديم مشروع قانون بشأن تعديل بعض أحكام قانون الولاية على المال (قانون رقم 119 لسنة 1952)، وهو قانون عانت منه شخصياً، ورأت الكثير الأمهات والأطفال يتضررون منه.

وتقول النائبة عن تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين لـ”النهار العربي”: “قمت بإعداد مشروع القانون قبل نحو شهرين، وقد ساهم المسلسل بشكل كبير في تهيئة الرأي العام لاقتراح تعديلات هذا القانون الذي لا يزال معمولاً به منذ خمسينات القرن الماضي، وفيه العديد من التحكمات التي تؤثر سلباً في مصالح الأطفال، وتتسبب في معاناة شديدة للأمهات”.

وتشير الألفي وهي أم وأرملة أحد شهداء القوات المسلحة المصرية: “ما عرضه المسلسل من معاناة حنان، يقدم جانباً مما تراه الأمهات في المجالس الحسبية. فعلى سبيل المثال، أنا لدي الوصاية على أبنائي، لأن جدهم ليس موجوداً منذ البداية، وعلاقتي بأعمامهم طيبة للغاية”.

وتضيف: “مع هذا، واجهت الكثير من المعوقات في المحاكم الحسبية بسبب هذا القانون، لذا أعددت مشروعاً لتعديله، قبل نحو شهرين، وخلال الأيام المقبلة سوف نبدأ بجمع توقيعات أعضاء المجلس عليه، تمهيداً لتقديمه رسمياً للبرلمان”.

تجاوز السطحية

النائبة البرلمانية والكاتبة الصحافية فريدة الشوباشي تشيد بهذه الخطوة، وترى التعديل التشريعي ضرورياً ومهماً جداً.

وتقول الشوباشي لـ”النهار العربي”: “أتمنى أن نتعلم مما حدث ألا تشغلنا النقاشات السطحية، والأمور الظاهرية، عن المشكلات الحقيقية التي يعاني منها الناس في حياتهم اليومية، ويؤثر في مستقبلهم”.

وعلى مدار العقود الماضية تحول “الحجاب” إلى فتيل يسهل إشعاله بسهولة، لتتفجر النقاشات بشأنه، وتترك القضايا الأساسية جانباً، مهما كانت أهميتها. وثمة وقائع عدة تشير إلى هذا التوجه في الرأي العام، تراوح ما بين عمليات قتل أو اعتداء تعرضت لها فتيات، فتركت الجريمة، وتركز النقاش على ملابس تلك الفتيات، وتصل وقائع أخرى إلى خلع فنانة الحجاب أو ارتدائه.

وتشير النائبة البرلمانية المهتمة بحقوق المرأة وتجديد الخطاب الديني: “لو تركنا تلك النقاشات السطحية، سوف نكتشف أن ثمة الكثير من القوانين الرجعية التي لا تجور على حقوق النساء فحسب، ولكنها تجور على الإنسان بشكل عام. ثمة من يريدون أن يبقى الوضع على ما هو عليه وإلهاءنا في قضايا جدلية. إنني سعيدة بما قامت به المتحدة للخدمات الإعلامية (الشركة المنتجة للمسلسل) لأنها تثير قضايا تهم المجتمع، وهذا أمر يدعو للتفاؤل”.

توضيح الرؤية

ترى رئيسة المركز المصري لحقوق المرأة نهاد أبو القمصان أن “المسلسل ساهم في نشر الوعي بالمشكلة لدى الرأي العام المصري، وسلط الضوء على جانب من المعاناة التي تتكبدها الأمهات بسبب هذا القانون، وهي معاناة لا يشعر بها إلا من يعيش الموقف بنفسه. نحن نتحدث عن الإشكاليات التي يسببها القانون منذ أكثر من عشرين عاماً… المسلسل جسدها وجعل الناس ترى تفاصيل المعاناة وتفهمها”.

وتقول أبو القمصان لـ”النهار العربي”: “إن الوصاية لا تتعلق فقط بما بعد وفاة الأب، ولكن يمكن للأم أن تعاني في خلال حياته. على سبيل المثال لا تستطيع الأم تسجيل أبنائها في شهادة الميلاد، أو تستخرج جواز سفر، أو بطاقة شخصية لهم إلا في حالة وجود الأب، كذلك هي لا تستطيع اجراء عملية جراحية، إلا بموافقة الأب، ويمكنها أن تفتح حساباً بنكياً لأبنائها، لكن لا يمكنها سحب الأموال منه إلا في ظل وجود الوالي الشرعي، الذي هو الأب”.

وتضيف الحقوقية المصرية: “الإشكالية الحقيقية في القانون هي أنه ينعكس على كافة تفاصيل الحياة تقريباً، ما يجعل الأم “غير مرئية” تقريباً بالنسبة للقانون، إذاً يعتبر الأب هو الولي الشرعي والمسؤول عن الأبناء، إلا في حالة ارتكاب الجريمة، أي إذا حدثت مشكلة للطفل. هنا يراها القانون، وتتهم الأم بالإهمال”.

رسالة الفن

من جانبه، يرى الناقد الفني والكاتب الصحافي محمد عبد الخالق أن “إلقاء الضوء على المسكوت عنه، وتقديم اقتراحات لعلاج السلبيات، أو على الأقل لفت النظر إليها، هو أحد أهم أدوار الفن عموماً، والدراما خصوصاً”.

ويشير الناقد إلى أن “السينما قامت في مصر منذ فترة مبكرة بدورها في علاج المشاكل المجتمعية، ونجحت في فتح نقاشات وتغيير وجهات نظر كانت سائدة لفترات طويلة، وتخطى الأمر ذلك إلى تغيير قوانين بعد لفت النظر إلى ما بها من قصور لم يكن في صالح الفرد والمجتمع، ومن أبرز هذه الأعمال فيلم “جعلوني مجرماً” الذي منح المخطئ فرصة ثانية لبدء حياة شريفة بعد إلغاء تسجيل السابقة الأولى، وكذلك فيلم “أريد حلاً” الذي كان من أوائل الأفلام التي تحدثت في ما يخص قضايا المرأة وحقوقها”.

ويضيف عبد الخالق: “ظل الفن وسيلة تنوير ونقد مجتمعي على مدار سنين طويلة، بخاصة في ما يخص قوانين الأحوال الشخصية الذي عانت منه المرأة، بأعمال مثل “أريد خلعاً”، و”فاتن أمل حربي” الذي كان محركاً لإعادة النظر في العديد من قوانين الأحوال الشخصية التي تحكم علاقات ما بعد الانفصال بين الزوجين، وصولاً إلى مسلسل “تحت الوصاية” الذي ألقى بحجر جديد للفت الانتباه إلى ضرورة إعادة النظر في قانون الوصاية على الأطفال القصر بعد رحيل الأب، وضرورة وجود مرونة تتيح للأم الوصاية على أبنائها، أو على الأقل إلزام الوصي بتسيير حياة الأسرة كما كانت في وجود الأب”.

ويرى الناقد أن المسلسل ساهم في “طرح الموضوع لمناقشات مجتمعية ودينية للخروج بوجهات نظر وفتاوى جديدة تعالج الأمر بما يتناسب مع المجتمع وتطوره، من دون التعارض مع أحكام الدين”.

وفيما يعتقد بعض المهتمين بحقوق المرأة، وبعض مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، أن الهدف من إثارة قضية الحجاب كان الهدف منها الشوشرة على القضية الأساسية التي يطرحها المسلسل، وهي قضية وصاية الأم على أموال أطفالها ومصالحهم، فإن عبد الخالق له وجهة نظر أخرى.

وعن هذا يقول إن “الضجة كانت امتداداً للهجوم المنظم والمستمر الذي تعرضت له الفنانة منى زكي، والعقاب الذي فرضه عليها البعض بسبب دورها في فيلم “أصحاب ولا أعز””.

ويعتقد أن “الهجوم العنيف والاتهامات للمسلسل قبل عرضه كان المقصود به منى زكي بشخصها، ولم يكن له دخل بفكرة المسلسل أو قضيته من قريب أو بعيد، وشاهدنا تنبؤات وتوقعات بأنه يدور حول فتاة تعاني بسبب الحجاب! ووصل الأمر إلى أن الكثير من التعليقات حينها كانت تظن أن مؤلف المسلسل هو الكاتب الصحافي والروائي إبراهيم عيسى، المعروف بطرحه القضايا الجريئة، ما يعني أننا كنا أمام هجوم جاهز لا يستند إلى أي منطق، يقوده من يعرف كيف يتحدث من دون أن يعرف كيف يفكر في ما يتحدث عنه”.

النهار العربي

مقالات ذات صلة