ما هو المرسوم الذي استنفر العصب الطائفي…ومن هم المعتدون على الأملاك البحرية؟؟
سياسيون يدافعون طائفياً عن المعتدين على الأملاك البحرية
عاد ملف الأملاك البحرية إلى الواجهة من جديد، الملف الأكثر فساداً على الإطلاق، ولكن هذه المرة من بوابة الإصطفاف الطائفي. فقد أحدث مرسوم الأملاك البحرية الصادر مؤخراً عن الحكومة موجة اعتراضات مبنية على دوافع طائفية بحتة، بدأها رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، استكملها وزير السياحة وليد نصّار. وقد لا تقف عند هذا الحد. فهناك من يلوّح بالطعن بالمرسوم ومواجهته. فما هو المرسوم الذي استنفر العصب الطائفي؟ وهل يحاول المعترضون على المرسوم حماية المعتدين على الأملاك البحرية؟ ومن هم المعتدون على الأملاك البحرية؟
مرسوم الأملاك البحرية
يتعلّق المرسوم الصادر عن مجلس الوزراء في جلسته الأخيرة بتعديل أسس احتساب سعر المتر المربّع لتحديد الرسم السنوي المترتب على الإشغال المؤقت للأملاك العمومية البحرية، ويقضي بأن يتم تعديل سعر المتر المربع عبر تحويله إلى الدولار على أساس سعر صرف 1507 ليرة، ثم ضربه بمتوسط سعر صرف السوق لليوم السابق لتاريخ إصدار رخصة الإشغال المؤقت للأملاك العمومية البحرية، لتاريخ تجديدها.
وهذا يعني أن رسوم إشغال الأملاك البحرية ستتم مضاعفتها بنحو 65 مرة فقط، علماً ان شاغلي الأملاك البحرية حققوا على مر السنوات ملايين الدولارات من إشغالهم الأملاك البحرية بشكل مجاني، باعتبار أن إيجارات المتر الواحد تتراوح بين 50 ليرة و1000 ليرة فقط، في حين أنهم يحقّقون أرباحاً طائلة من منشآتهم الخاصة، القائمة على الأملاك العامة ويتقاضون بدل خدماتهم بالدولار نقداً.
“استنفار” طائفي
استنفر مرسوم تعديل الرسم السنوي المترتب على الإشغال المؤقت للأملاك العمومية البحرية، باسيل، الذي أعرب عن اعتراضه على قيمة الزيادة من جهة، وعلى الزيادة نفسها من جهة أخرى، باعتبار أن القرار “يطال منطقة معيّنة دون سواها”! ملمحاً إلى استهداف الأملاك البحرية العائدة إلى “معتدين” مسيحيين.
وما لبث أن ركب وزير السياحة وليد نصّار موجة مواجهة المرسوم لأسباب طائفية، مطالباً بسحب المرسوم من التداول، وعدم إصداره في الجريدة الرسمية، والعمل من جديد لتشكيل لجنة من المتخصّصين والمعنيين وتنظيم مشروع للأملاك البحرية مبني على التصنيف، المسح الشامل، والتخمين.
تجاهل نصار كما باسيل وسواهم من المحرّضين الطائفيين أن المعتدين على الأملاك البحرية ينتمون إلى كافة الطوائف. كما أن التعدّيات تقع في كافة الشواطى على مساحة لبنان، من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، وتكاد تتمركز كبرى التعدّيات على الأملاك البحرية في منطقة الجنوب.
أما محاولة “تطييف” الملف، وإدخاله في معركة مزايدات وتجاذب طائفي، فيستهدف من دون شك تمييع حقيقة أن التعدّيات على الأملاك البحرية العائدة إلى سياسيين وكبار المستثمرين وكارتيلات النفط والترابة، تمتد على طول الشاطئ.
تبلغ مساحة التعدّيات نحو 5 ملايين متر مربع. ينتمي المعتدون لكافة الطوائف من دون استثناء، يحققون من استثمار الأملاك البحرية دون وجه حق ملايين الدولارات، في حين يسدّد قلّه منهم 15 مليار ليرة، أي نحو 156 الف دولار فقط (حسب سعر الصرف الحالي للدولار) سنوياً للدولة اللبنانية، مقابل عدم سداد غالبية المعتدين على الاملاك البحرية أي دولار للخزينة العامة.
حجم التعدّيات
تطال التعدّيات على الأملاك العامة البحرية طول الشاطئ اللبناني، أي في كل المناطق البحرية باستثناء مساحات ضئيلة جداً. وتعرض جمعية “نحن” خريطة تفاعليّة (رابط مرفق) لتبيان حجم التعدّي ووضعه القانوني والمنطقة الواقع فيها.
وحسب المعطيات الرسمية العائدة إلى وزارة الاشغال، وغير الرسمية المبنية على إحصاءات “الدولية للمعلومات” وباحثين، يتبيّن أن التعدّيات على الأملاك البحرية البالغة مساحتها 5 ملايين متر مربع، بينها قرابة 2.4 مليون متر مربع مرخص ويسدد إيجارات ورسوم زهيدة جداً، وهذه المساحة تشغلها 73 مؤسسة، في مقابل قرابة 2.6 مليون متر مربع غير مرخصة. أي أنها لا تدفع أي رسوم أو إيجارات للدولة، وتشغل هذه التعدّيات 987 مؤسسة. وهذا يعني أن نحو 1060 منشأة خاصة تحتل الملك العام على طول الشاطئ اللبناني، منها 7 في المئة فقط مرخصة و93 في المئة غير مرخّصة.
بالنسبة إلى المنشآت المرخّصة، فليس وضعها أفضل كثيراً من تلك غير المرّخصة. فهي بالاساس معتدية على الأملاك البحرية العامة، وقد استفادت من القانون 64/2017 حين كانت الدولة تبحث عن إيرادات للخزينة تخفيفاً من أزماتها المالية، وأصدرت هذا القانون الذي شكّل اعترافاً ضمنياً للمعتدين، ومنهم من استفاد من التسويات، والتزم بسداد إيجارات ورسوم باتت اليوم شبه معدومة. إذ أن سدادها يتم وفق سعر 1500 ليرة للدولار. وتتراوح الايجارات بين 50 ليرة و1000 ليرة للمتر الواحد.
أما المنشآت المعتدية على الأملاك البحرية العامة غير المرخصة، فلا تسدد أي إيجارات أو رسوم، وتعود غالبيتها إلى شركات النفط والغاز والترابة. من هنا لم يعد الحديث عن غرامات يجدي، إنما على الدولة التوجه إلى تنفيذ قانون العقوبات، فيما خص المعتدين. فإما التغريم بما يتناسب وقيمة العملة المتغيّر أو الإزالة ومحاسبة المعتدين.
ويتوعّد وزير الأشغال العامة علي حمية بإجراء مسح شامل لكامل الشاطئ اللبناني، كتمهيد لإعادة التخمين على قاعدة حفظ حقوق الدولة المالية، ورفعاً للغبن الواقع عليها في هذا المجال.
تعاني خزينة الدولة من شح المداخيل المالية في حين أن أملاكها البحرية منتهكة، ويحقق المعتدون عليها ملايين الدولارات، ولا تنال الدولة منها شيئاً سوى الفُتات. ولا يزال سياسيوها يبحثون عن مخارج للتهرب من موجبات مؤسسات ومنشآت خاصة عن تعدّيات لا تعد ولا تحصى.
عزة الحاج حسن- المدن