فرنجيّة متروٍّ … غير حاسم: رياح التسوية “لا تلفح لبنان”!
من يراقب المشهد اللبناني عن بعد، الرئاسي تحديداً، لا يمكنه إلّا أن يرى حفلة جنون وتراشق ورفع أسهم وخفض أسهم تخطّت أن تكون موسمية، بل وتحوّلت إلى بورصة يومية. فيوم نستفيق فيه على رفع أسهم رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، ويوم آخر نستفيق فيه على انخفاضها. إلّا أنّ قراءة الأحداث ورصدها والمعلومات التي يمكن استقاؤها من المعنيّين المباشرين بالملفّ الرئاسي تقود إلى مشهد يتطلّب التأنّي في قراءته وعدم الحسم، بل قراءة متغيّراته وانعكاساتها على لبنان من بوّابة المصالح المتقاطعة التي يمكنها أن تبتلع لبنان بمن فيه. فبعدما انطفأت محرّكات الداخل إلى الحدود الدنيا، يبدو الأمر متروكاً لمحرّكات الخارج الصاخبة التي بدأت العمل في الاجتماعات الخماسية، ثمّ اجتماع جدّة، وبعد عيد الفطر ستنعقد اجتماعات في عمان، ثمّ تعود إلى الرياض حيث ستلتئم القمّة العربية في أيّار المقبل.
فرنجيّة متروٍّ
على الرغم من الصخب الداخلي الكبير، يبدو رئيس تيّار المردة متروّياً، غير حاسم، إذ يدرك أنّ لديه مراحل ما تزال غير مكتملة، ويعتزم القيام بخطوات داخلية سبق أن افتتحها في بكركي. ومع غضبه من القوى المسيحية التي تعارض انتخابه، سيحاول التواصل معها، وهو ما سبق أن طلب منه البطريرك القيام به.
غير أنّ فرنجية الذي ما يزال بعيداً عن الاستسلام على الأقلّ حتى هذا اليوم، يقرأ جيّداً الإشارات الداخلية والخارجية، لكنّه في الموقف السعودي تحديداً يعوّل على ما يعتبره “عدم وجود فيتو سعودي عليه”، بينما يعتبر خصومه أنّ الرياض لا تضع فيتو على أسماء بل على مواصفات، ولذا لا يمكن انتظار فيتو مباشر للاقتناع به.
في كلّ الأحوال يبدو رئيس الحزب التقدّمي الاشتراكي وليد جنبلاط متماسكاً في موقفه، فلم يخضع بعد لِما يعتبره الفريق الداعم لفرنجيّة “رياح التسوية”، قاطعاً الشكّ باليقين في كلامه إلى صحيفة لوريان لو جور الذي قال فيه: “لا أرى لبنان في كلّ هذا”.
لا موعد محدّداً لزيارة ماكرون السعوديّة..
لا ترى مصادر بنشعي في البيان الصادر عن وزارة الخارجية الفرنسية تراجعاً بل كلاماً دبلوماسياً لا ينفي أن تكون باريس ما تزال تعتقد أنّ فرنجية يملك الفرصة الكبرى للرئاسة، ولا سيما أنّ المعارضة لا تملك خطةً ولا اسماً مشتركاً تتّفق عليه.
في المقابل، نقلت مصادر فرنسية عن الإليزيه تأكيده أنّ البيان الصادر عن الخارجية ليس محطّة عابرة دبلوماسية فقط، بل هو تعبير عن مراجعة قامت بها باريس في مقاربتها الملفّ اللبناني. ونُقل عن مسؤول في الإليزيه قوله إنّ فرنسا عجزت عن إقناع المملكة العربية السعودية بمقاربتها لملفّ لبنان وليس فقط الملف الرئاسي. فالكلام السعودي ما يزال كما هو. والسعوديون غير مهتمّين بالعودة إلى أيّ شكل من أشكال المقايضات والمحاصصات. وفي حال أرادوا العودة فسيعودون من بوّابة وحيدة هي بوّابة المواصفات والشروط الإصلاحية، وغير ذلك ما يبرح حتى الساعة غير واقعيّ. وفي ردّ على إمكانية زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للمملكة بعد عيد الفطر، تجيب مصادر الإليزيه أن لا شيء على الجدول حالياً بانتظار تأكيد ذلك في الأيام المقبلة.
من جُدّة إلى عمّان.. سوريا العنوان
بانتظار زيارة يمكن أن يقوم بها ماكرون للرياض، يكثر الكلام عن رياح التسوية المرتبطة بعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، وإمكانية تأثير ذلك إيجاباً على الملفّ الرئاسي اللبناني.
يبدو حتى الساعة أنّ المقصود من التسوية الشاملة بالشرق الأوسط هو الملفّ الداخلي السوري وترتيب شروط عودة دمشق إلى الجامعة العربية، وليس إقرار تسوية بالمنطقة على حساب لبنان. فقد أصبح واضحاً أنّ استعادة سوريا لمقعدها في جامعة الدول العربية تحتاج إلى مزيد من التشاور بين الدول العربية المعنيّة، وتحتاج أيضاً إلى ضوء أخضر أميركي ليس متوافراً بعد.
برزت في الاجتماع، الذي عقدته دول مجلس التعاون الخليجي مع مصر والأردن والعراق، عقبات لم تكن محسوبة، وأبرزها ما يلي:
– إصرار قطريّ على أنّ الأسباب التي دعت إلى تعليق عضوية سوريا لم تتغيّر، وأهمّها عدم حصول تقدُّم على مستوى المصالحة الداخلية بما يسمح بإنضاج تسوية سياسية تتيح مشاركة أطراف المعارضة في الحياة السياسية.
– موقف مصري أكّد ضرورة إعلان دمشق التزامها بمندرجات القرار الدولي 2254، وبالتالي العودة إلى طاولة التفاوض للتفاهم على صيغة دستور جديد. وكان الموقف المصري هذا عائقاً أمام صدور بيان سوري-مصري مشترك، بعدما لم توافق القيادة السورية عليه.
– تراجع الاندفاعة الأردنية باتجاه تكريس استعادة سوريا لمقعدها، بعدما لمست عمّان عدم وجود حماسة أميركية لمنح النظام السوري القائم جوائز سياسية في حين أنّه لم يلتزم بأيٍّ من متطلّبات الحلّ السياسي. إضافة إلى ذلك، يضغط الأردن من أجل ترتيب عودة النازحين السوريين إلى بلادهم وفق آليّة زمنية واضحة مع ضمانات تمنع معاقبتهم من قبل أجهزة النظام الأمنيّة.
– رغبة سعوديّة في قيام النظام السوري بخطوات فعليّة وعلنيّة واضحة بناءً على البنود التي وردت في البيان السعودي-السوري المشترك إثر زيارة فيصل بن فرحان لدمشق.
لذلك تبدو الاندفاعة، التي تمّ الترويج فيها لعودة سوريا إلى الكنف العربي، مرهونة بالاجتماع المقبل في عمّان للجنة المساعي العربية التي تقول مصادر مطّلعة إنّها ستضع خارطة طريق تتضمّن مجموعة من الالتزامات العمليّة التي على النظام السوري القيام بها قبل الولوج إلى أروقة القمّة العربية وجامعتها.
يبدو السؤال الأهمّ: هل تستمرّ الاتصالات العربية مع سوريا لتكريس استعادة بعض العلاقات الثنائية بينها وبين دول عربية راغبة في كسر القطيعة مع النظام القائم في سوريا؟ الجواب ستحمله نتائج اجتماعات عمّان المقبلة التي اتّفق وزراء خارجية مجلس التعاون لدول الخليج العربية والعراق ومصر والأردن على عقدها بعد عيد الفطر.
رجّحت مصادر مطّلعة على الاستعدادات لعقد هذه الاجتماعات أن ينتج عنها تشكيلُ لجنة عربية سيكون دورها العمل على تحقيق حلّ سياسي للأزمة السورية داخلياً وإقليمياً ودولياً.
وكان وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، قد أعلن مطلع هذا العام مبادرة أردنية لإيجاد حلّ سياسي للأزمة السورية، وأوضح، بعد لقائه المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا غير بيدرسن في عمّان، أنّ المبادرة تنطلق من دور عربي مباشر، وحوار سياسي لحلّ الأزمة وتفرّعاتها الأمنيّة والسياسية.
تقود كلّ المؤشّرات إلى أنّ رياح التسوية بعيدة عن لبنان على قاعدة لا غالب ولا مغلوب لأيّ طرف.
بالانتظار سيتلهّى اللبنانيون بكثير من الأخبار.
جوزفين ديب- اساس