أسعار الاتصالات والانترنت مُلتهبة في لبنان ومن الأغلى تكلفة في العالم… والخدمات مُنهارة!!
لم يسلم قطاع الاتصالات في لبنان من شظايا الأزمة التي أصابت مؤسساته وشبكاته وخدماته ليدخل نفق الانهيار من بابه العريض بعدما غرقت الكثير من المناطق اللبنانية في عزلة تامة بسبب الانقطاع الكامل لخدمة المكالمات الهاتفية والانترنت. هذا التدهور الملحوظ في الخدمة يعود إلى شح السيولة ونقص الموارد وكميات الوقود اللازمة لتشغيل المحطات والسنترالات وتقنين التيار الكهربائي وغياب خطط فاعلة لتطوير القطاع ومواكبته التقدّم بالاضافة إلى عوامل تقنية عديدة أهمّها تآكل معدات شبكات الاتصالات القديمة وارتفاع نفقاتها التشغيلية وعدم القدرة على استبدالها بأخرى حديثة وعصريّة. وقد تزامن ذلك مع إضراب شامل قام به موظفو هيئة “أوجيرو” احتجاجاً على رواتبهم التي فقدت قيمتها نتيجة استمرار ارتفاع سعر الصرف.
القطاع الذي لم يرزح تحت رحمة الدولرة الكليّة بعد، إذ أنّ أسعار خدمة الاتصالات والانترنت لا تزال تُحتسب وفق سعر منصّة “صيرفة” – الذي بات يُشارف على الاقتراب من سعر الصرف في السوق الموازية – يشهد المزيد من التقهقر والتردّي، بعدما أثبت رفع التسعيرة عدم فاعليته وعجزه عن تحسين جودة الخدمات المقدّمة ونوعيتها. وعلى الرغم من ضعف الخدمات وازديادها سوءاً، تُعتبر الأسعار في لبنان من الأغلى تكلفة في العالم مقارنة بالحد الأدنى للأجور أو الدخل المحدود للفرد بحيث تُشير الأرقام إلى أنّ المواطن اللبناني يقوم بصرف 15 في المئة من دخله مقابل الحصول على الانترنت والاتصالات الخلوية.
وفي مقارنة حديثة لأسعار الاتصالات الهاتفية والانترنت قامت بإجرائها “الجزيرة نت” في الدول العربية حسب مؤشر “نيمبو” لتكلفة المعيشة، وهو من أبرز المؤشرات التي يُستدلّ بها في التقارير الدولية والحكومية في مجالات ترتيب دول العالم من حيث تكلفة المعيشة ومستوى الأمن والجريمة وغيرها، تبيّن أنّ لبنان يحتلّ المرتبة الثانية في قائمة الدول العربية من حيث غلاء تكلفة الاتصالات الهاتفية والانترنت. وتصّدرت موريتانيا الترتيب -وهي من الدول الأفقر في المنطقة – بينما احتلت مصر صدارة قائمة أرخص دول المنطقة من حيث أسعار المكالمات والانترنت.
وفي تفاصيل النتائج، وتحديداً لناحية أسعار دقيقة المكالمات، تمّ تصنيف الدول العربية في ما يخصّ أسعار الاتصالات الهاتفية وفق المؤشر إلى 5 فئات، وجاء لبنان في الفئة التي تتراوح التكلفة فيها بين 20 سنتاً ودولار بحيث بلغت الأسعار 0.25 دولاراً أميركياً للدقيقة ليأتي في المرتبة الثانية مباشرة بعد موريتانيا التي تمّ تصنيفها في فئة الأكثر من دولار للدقيقة مع تسجيلها 1.01 دولاراً أميركياً. أمّا من حيث الاشتراك الشهري للانترنت، فقد توزّعت الدول العربية إلى 4 فئات بحيث تصدّرت كل من موريتانيا والامارات الفئة التي تفوق فيها التكلفة الـ 100 دولار، فيما حجز لبنان مكانه في الفئة الثانية أيضاً بتكلفة وصلت إلى 67.5 دولاراً، وتشمل هذه الفئة السودان وقطر والسعودية وعُمان واليمن وفلسطين والجزائر وسوريا حيث تتراوح فيها التكلفة بين 60 و95 دولاراً.
على مدى سنوات، شكّل قطاع الاتصالات الملقّب سابقاً بـ”نفط لبنان” مورداً مهماً لايرادات الدولة ومنبعاً وفيراً لخزينتها المُفلسة، إذ كانت يغذّيها بما يُقارب الـ 1.4 مليار دولار سنوياً. غير أنّ سوء التخطيط والإدارة والحلول الترقيعية والمناكفات والسجالات السياسية وانعكاسات الأزمة الاقتصادية ساهمت جميعها في هلاك هذا القطاع الحيوي الذي كان يمدّ جسور الترابط والتواصل في البلاد، حتى بات اليوم بحاجة مُلحّة إلى من يُعيد بناء شبكته المُتداعية وترميم بنيته التحتية المُهترئة وتفعيل خدماته المُعطّلة كي يبقى لبنان داخل نطاق الخدمة وليس خارجها.
لبنان الكبير