فرنسا تتراجع تكتيكيا فقط بعد تعاظم الانتقادات المسيحية!
تتباين الآراء حول ما سيؤول إليه الاستحقاق الرئاسي بعد الاطلالة الثانية لرئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية من على منبر بكركي وما أثارته من انطباعات عن ارتفاع حظوظه الرئاسية ومن دعوة للمسيحيين لعدم تفويت فرصة التسوية.
وقبل صدور موقف الخارجية الفرنسية عن أن «لا مرشح لباريس إلى رئاسة الجمهورية في لبنان وأن على اللبنانيين اختيار قادتهم» أصرّ مقربون من تيار المردة على أن الفترة الممتدة من بداية شهر ايار/مايو ولغاية منتصف حزيران/يونيو هي فترة حاسمة لانتخاب رئيس وإلا فإن انتظار الانتخاب سيطول. وبدا أن هؤلاء يراهنون على إيجابيات لصالح رئيس «المردة» بعد الاتفاق السعودي الإيراني وما ستحمله القمة العربية المقررة في المملكة العربية السعودية لناحية تغيّر موقف الرياض من ترشيح فرنجية بعد تلقّيها الضمانات من مستشار الرئيس الفرنسي باتريك دوريل الذي زار أخيراً المملكة ناقلاً أجوبة فرنجية على التساؤلات التي طُرحت حول رأيه من بعض الملفات وفي طليعتها العلاقة مع الدول العربية والخليجية وكيفية التعاطي مع مسألة النازحين السوريين والاستراتيجية الدفاعية والإصلاحات وصندوق النقد الدولي وتهريب الكبتاغون.
ويعتبر المقرّبون من تيار المردة أن أي مرونة في الموقف السعودي ولو بعد حين ستنعكس على موقف رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط وستجعله يعيد النظر في موقفه من ترشيح فرنجية لجهة تصويت «اللقاء الديمقراطي» له إلى جانب حسم النواب السنّة المترددين موقفهم وخصوصاً نواب «تكتل الاعتدال الوطني» والنواب الذين يدورون في فلك «تيار المستقبل» سابقاً، الأمر الذي من شأنه تأمين 65 صوتاً لانتخابه في الدورة الثانية في حال تأمّن نصاب الثلثين أي 86 نائباً، وهو ما سيفتح باب النقاش مع التيار الوطني الحر لتأمين نصاب الجلسة ولو من دون التصويت لفرنجية، تماماً كما فعل الأخير بحضور جلسة انتخاب الرئيس ميشال عون من دون الاقتراع له. وفي محاولة للتقرّب من زعيم المختارة ونجله تيمور حرص فرنجية على الاتصال بجنبلاط الأب لتعزيته بوفاة شقيق زوجته نورا وعلى إيفاد نجله النائب طوني فرنجية إلى كليمنصو لتقديم التعازي، كما أبدى فرنجية استعداده لمحاورة الكتل المسيحية والتأكيد على انفتاحه.
وتزامن تسويق هذه الانطباعات مع ترويج لرصد رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي مناخاً سعودياً جديداً وعدم وضع المملكة فيتو على فرنجية استناداً إلى كلام منسوب إلى النائب وائل أبو فاعور سرعان ما نفته مفوضية الإعلام في الحزب التقدمي الاشتراكي.
لكن في المقابل، يقلّل خصوم فرنجية من أهمية ما يُحكى عن مرونة سعودية تجاه ترشيحه إلى الرئاسة، ويرون أن كل موجة التفاؤل مبنية على عبارة قالها المستشار في الديوان الملكي نزار العلولا لمستشار الرئيس الفرنسي الذي سلّمه لائحة ضمانات خطية موقعة من فرنجية «إتركها لندرسها».
ولاحظ الخصوم أن موقف الخارجية الفرنسية حول عدم تبنّيها أي مرشح إلى الرئاسة جاء في أعقاب تسريبات متعمّدة عن اتصال الرئيس ايمانويل ماكرون برئيس مجلس النواب نبيه بري تمت في خلاله مناقشة الاستحقاق الرئاسي إضافة إلى اتصال آخر من مستشاره باتريك دوريل استوضح فيه رئيس المجلس عن نتائج المحادثات التي أجرها في السعودية ومع شخصيات لبنانية، ونقل عنه أن هناك مؤشرات أفضل من السابق وأنه أبلغ القيادات التي التقاها أن فرنجية هو المرشح الأكثر جدية، داعياً بري إلى إطلاق حوار تمهيداً لتحديد جلسة جديدة لانتخاب رئيس الجمهورية، ومن هنا جاءت زيارة رئيس «المردة» إلى بكركي وعزمه محاورة الأحزاب المسيحية وتحضيره لاطلالة تلفزيونية في منتصف الأسبوع المقبل.
ويبدو أن العاصمة الفرنسية ستواصل استقبال القيادات اللبنانية وتستعد لدعوة كل من رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع ولرئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل لزيارة الاليزيه ومحاولة اقناعهما بأهمية الوصول إلى تسوية، علماً أنهما يمثلان أكبر حزبين مسيحيين، ويحتاج فرنجية إلى حضور نواب إحدى هاتين الكتلتين لتأمين النصاب والميثاقية. ولكن لا يوجد مؤشر على تغيّر موقف القوات من رفض وصول رئيس تابع لمحور الممانعة بعد التجربة المريرة مع الرئيس عون وتغطيته سلاح حزب الله، فيما لم يفقد تيار المردة والثنائي الشيعي الأمل بإمكان سير باسيل في نهاية المطاف بخيار فرنجية، إلا اذا أعاد التاريخ نفسه مع سليمان فرنجية الجد عندما اتفق جعجع وعون على منع وصول النواب إلى جلسة الانتخاب، وعندما عادا ليتوافقا على رفض معادلة مخايل الضاهر رئيساً أو الفوضى في نهاية عهد الرئيس أمين الجميّل.
أما الموقف الفرنسي المستجد الذي نفى وجود مرشح رئاسي لباريس، فهو إما خطوة تكتيكية إلى الوراء في ضوء تصاعد الانتقادات من أصدقاء فرنسا التاريخيين في لبنان وتحديداً المسيحيين لدور الاليزيه المتناغم مع الثنائي الشيعي والذي سيخسّرها بكركي والمسيحيون ولن يربّحها الشيعة، وإما هو تعبير فعلي عما واجهته باريس من الدول المتمثلة في اللقاء الخماسي من عدم تأييد ظاهر لترشيح فرنجية وللمقايضة المقترحة وخصوصاً من قبل السعودية والولايات المتحدة الأمريكية حيث أبلغت مساعدة وزير الخارجية بربارة ليف الوفد النيابي اللبناني الذي زار واشنطن ان بلادها ترفض تدخل أي دولة في الانتخابات الرئاسية. ودائماً حول المقايضة، بدأت تبرز إشارات جديدة بشأنها تشدّد على أن هذه المقايضة المفترضة بين رئاستي الجمهورية والحكومة غير عادلة وغير متوازنة. ففريق الممانعة لديه الآن رئاسة مجلس النواب والمقايضة الحقيقية تكون مع رئاسة الحكومة للفريق السيادي وليس مع رئاسة الجمهورية، إذ لا دخل لحزب الله بموقع رئاسة الجمهورية الذي يجب أن يكون معبّراً بالدرجة الأولى عن تطلعات المسيحيين وبكركي وليس رئيساً ملحقاً بالضاحية وبمشروع لا يشبه لبنان ولا هويته، ولم تتدهور الأوضاع في البلاد إلا عندما بات الرئيس يدافع عن مشروع حزب الله وسلاحه أو يغضّ الطرف عنه. من هنا، تبرز الحاجة في حدّها الأدنى لاختيار رئيس جمهورية خارج الاصطفافات يفصل بين الدولة والدويلة ويوحي بالثقة والاطمئنان للدول العربية والخليجية ويستطيع أن يكون أكثر من حَكَم ويلعب دوراً وطنياً وازناً ويوقف عجلة الانهيار.
سعد الياس- القدس العربي