الاستحقاق الرئاسي مسألة وقت لا أكثر: “أنا مرشح التسوية.. اتعظوا من التاريخ”!
صحيح أن الحركة الدبلوماسية في الملف الرئاسي تجمّدت إعلامياً بين الأطراف الإقليمية والمحلية في الفترة الأخيرة إلا أنها في الواقع بقيت خلف الكواليس تتفاعل الى درجة حصول تقدُّم، وعلى الرغم من بُطئه، إلا أنه إيجابي، ما يعني أنه ضمن مسار التسوية المحتمَلة التي تحدّث عنها رئيس تيار المردة سليمان فرنجية من بكركي موجِّهاً كلامه الى القوى المسيحية التي ترفضه وكأنه يقول أنا مرشح التسوية.. اتعظوا من التاريخ.
حَمَلت زيارة فرنجية الى بكركي تأويلات كثيرة، تماماً كزيارته الى باريس، بحيث انها أقلقت البعض واستفزت البعض وأراحت البعض الاخر، إلا أنها في الحقيقة تشبه زيارته الى فرنسا وبنصيحة منها وبتنسيق مع الثنائي الشيعي لجهة حراك طبيعي لأي مرشح رئاسي قبل أن تسمح له معطيات جولة الاستطلاع بإعلان ذلك رسمياً وفق حساباته. صحيح أن فرنجية يوجِّه رسائل الى الخارج إلا أنه في الداخل رغم معارضة القوى المسيحية، يتسلّح بدعم حزب الله له، لذا يعتبر أن كل ما يحصل يصب في مصلحته…
المعطيات التي يريدها رئيس تيار المردة والتي تحدد موعد إعلان ترشّحه رسمياً هي خارجية وتحديداً عربية خليجية سعودية، أما المُعطى الداخلي وتحديداً المسيحي فوجّه اليه رسالة، بعضهم قرأها كنصيحة وبعضهم قرأها كتهديد، كالتيار الوطني الحر الذي اعتبر أن فرنجية تكلّم بنبرة تهديدية، خاصة عندما تحدّث عن التسوية وعلى الجميع التنبّه لها كيلا يبقوا خارجها ويعيد التاريخ نفسه وأكثر من ذلك كأنه يقول: أنا أو الفوضى وهذا ما يزيد التيار إصراراً بعدم قبوله فرنجية حتى لو رست التسوية عليه، فهو ليس لديه مشكلة بأن يكون خارجها، عدا أنه رأى بكلامه أنه يُقدِّم أوراق اعتماد للسعودية، أما عن حديثه عن صندوق النقد فهو محاولة لإظهار نفسه أنه متميّز عن حزب الله ببعض المواقف.
أما القوات اللبنانية فلا يخفى على أحد أن العلاقة مع المملكة متوترة هذه الأيام، والسبب تغيُّر المسار السعودي وعدم مجاراة القوات له، فالمملكة لم تقدِّم ما قدّمته لجعجع إلا ليجاريها وهي الآن تريد صفر مشاكل في المنطقة وفق سياستها الجديدة المناقِضة تماماً لتلك التي كانت تتبعها، فعنوان الاتفاق الإيراني-السعودي هو الأمن في المنطقة، من هنا نرى ان المرحلة الجديدة تتطلب مواقف مختلفة يجب اتخاذها، لذا من المتوقع أن الأيام المقبلة قد تشهد تراجعاً تدريجياً للقوات كي يحجزوا مكاناً لهم وإلا باتوا خارج التسوية بقرار يصعب عليهم تحمّل مسؤوليته.
هذا التوجّه السعودي دلالاته ظهرت بإشارات يعتبرها البعض أنها إيجابية تجاه رئيس تيار المردة، فهي لم تُعلِن رسمياً رفضها له وإذا كان موقفها كذلك فلا شيء يمنعها من هذا الإعلان، إلا أن المماطلة أو عدم إيضاح موقفها مردّه الى أنها تريد مقابلا له في مكان اخر لم تحصل عليه بعد أو لم تنتهِ منه حتى اللحظة، ما يعني أن القصة مسألة وقت لا أكثر وتبعاً للأولويات، لذا نرى أن المملكة لم تتجاوب حتى اللحظة مع الفرنسيين الذي تولوا مهمة إقناعها من ناحية ومن ناحية أخرى، لماذا تُعطي الرياض باريس هذا الإنجاز بوقت تستطيع قطفه هي في لحظتها المناسبة؟
أما عن رسائل التودد للمملكة من قِبل فرنجية وقبله الرئيس نبيه بري التي يتوقف عندها البعض ويضع حولها علامات تعجب واستفهام، يعتبرها البعض الاخر أنها تُوضع في سياق ملاقاة السعودية في تراجعها عن سياساتها التصعيدية السابقة بعد فشلها والتي لم تعد تناسب توجهات المملكة الحالية ورؤيتها المستقبلية، من هنا فإن هذا التحوّل الإيجابي يتم التعاطي معه بكثير من الإيجابية.
هذا التغيّر في المشهد، يدفعنا الى السؤال عن الدور الأميركي وموقفه من كل ما يحدث، فالولايات المتحدة تحتاج الى هدوء في المنطقة، من هنا يزداد التوتر مع نتنياهو، وهي التي طلبت من الدول التي تدور في فلكها في المنطقة أن تذهب الى التفاهمات كما يعود لها تقسيم الأدوار، وكأنها تشارك بالتسوية من الخلف، فهي أيضاً لها أولوياتها وانشغالاتها إن كان في الداخل الأميركي أو ببحر الصين، لذا هي غير مستعجلة وتحديداً في لبنان.
من هنا نرى الملف الرئاسي في لبنان تجاوَز الكثير من العقبات، ووسط زحام الملفات في المنطقة ما عليه إلا انتظار دوره، لذا بات يمكننا رؤية مشهد الرئاسة في هذا الإطار وأن لحظة إنجاز الاستحقاق مسألة وقت لا أكثر.
الديار