التبرّؤ الفرنسي من ترشيح فرنجية: هل يطمئن “المسيحيين” بعد الترويج المكثّف له؟

استعادت الأحزاب المسيحية المعارضة لانتخاب سليمان فرنجية بعضاً من “توازنها”، مع إعلان الخارجية الفرنسية أمس أنه “ليس لفرنسا أيّ مرشّح لرئاسة الجمهورية في لبنان”.

فقد شكّلت الأيام الماضية عبئاً معنوياً ضاغطاً على الأحزاب المسيحية، مع ترويج مكثّف لفرنجية، وتشييع مناخ في البلد يوحي وكأن مفتاح القصر الجمهوري بات في جيب الأخير.

لكن التدقيق في المشهد السياسي اللبناني وتعقيداته ومتابعة تطور المسارات الإقليمية والدولية المنعكسة على لبنان، لا تشي أن مشوار فرنجية إلى بعبدا نزهة شارفت على بلوغ مقصدها.

ومن دون تحميل موقف الخارجية الفرنسية أكثر مما يحتمل أي موقف ديبلوماسي “مبدئي” ينفي، عادة، تبني أي مرشح، ويجدد التأكيد أن “على اللبنانيين اختيار قادتهم”، إلا أنه يزعزع الشعار-التحدي الذي رُوّج له: “فرنجية أو الفوضى”.

هو إعلان يوحي، أقله، بإبقاء التفاوض قائماً بحثاً عن رئيس تتقاطع عنده التوافقات والمصالح الداخلية والخارجية.

مقايضة غير متوازنة
في السياق نفسه، يؤكد مصدر متابع لنشاط الوفد النيابي في واشنطن أن “كل كلام يتم تداوله عن مقايضة بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة لا يُبنى عليه. فرئيس الجمهورية يجب أن يكون فوق الصراعات ونقطة تلاق وتوافق بين اللبنانيين. وإن كان هناك مقايضة ، والأدق توازن، فيجب أن تكون بين مجلس الوزراء ورئاسة المجلس النيابي”.

ويسارع المصدر إلى التأكيد أن “هذا الكلام الذي سمعناه جاء على خلفية “مبدئية” ونظرية لما يفترض أن تكون عليه الأمور، وفق مقاربة أحد مسؤولي الإدارة الأميركية للوضع اللبناني”. يضيف “في الواقع، لا يبدو لبنان مدرجاً على لائحة الأولويات الاميركية. وما سمعه الوفد يدخل في باب النصائح والوعود المشروطة بسلسلة الإصلاحات التي لم تلمس المؤسسات الدولية أي جدّية في تحقيقها”.

حذر مسيحي من فرنسا
الكلام “النظري” المنسوب إلى المسؤول الأميركي، لا يُطمئن الأحزاب المسيحية المعارضة لفرنجية. كما لا تَطمئن تماماً لبيان الخارجية الفرنسية. ففي أوساطها تخوف وحذر من تناقض الكلام العلني مع محاولات التسوية التي تحيكها باريس في اتصالاتها السرية وزيارات مسؤوليها الخارجية.

ومن المفارقات التي تستدعي التوقف عندها أنه من المرات النادرة التي يقف القسم الأكبر من المسيحيين، أحزاباً ومستقلين والمزاج العام، ضد طروحات “الأم الحنون”، في مقابل رهانهم على ثبات المملكة العربية السعودية على موقفها من تسمية فرنجية.

في كتابهم، “تبدو السعودية متفهمة لواقع البلد وتعقيداته وسبل إخراجه من أزماته المتناسلة أكثر بكثير من فرنسا التي تعطي الأولوية لمصالحها على حساب لبنان سياسياً واقتصادياً وحتى اجتماعياً”.

أسد في سوريا وشبل في لبنان
يؤكد مسؤولون في كل من الكتائب اللبنانية والقوات والتيار الوطني الحر أنهم لن ينتخبوا سليمان فرنجية تحت أي ظرف.
على أي حال، ليست المرة الأولى التي يُطرح فيها إسم سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية. عام 2015 اعتبر عضو القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي النائب، يومها، عاصم قانصوه في حديث لـ”الجمهورية” أنه “إذا تمكّن فرنجية من اعتلاء سدّة الحكم، سيكون لنا عندئذ أسدٌ في سوريا وشِبلٌ في قصر بعبدا”.
هو تذكير لا “يتحسس” منه الرأي العام المسيحي فقط، إنما قسم كبير من الرأي العام اللبناني أيضاً.
وإذا كان فرنجية يسوّق اليوم أن هذه العلاقة المميّزة مع النظام السوري ورئيسه تتيح له ما لا يُتاح لسواه في بعض الملفات، وتحديداً في ملف عودة النازحين، فإنها من المنطلق نفسه، تتيح للرئيس السوري “المونة” ذاتها، على الرئيس اللبناني العتيد.. وهنا مكمن الداء.

دنيز عطالله- المدن

مقالات ذات صلة