هل تتعثر أميركا عن سداد ديونها؟
معركة شرسة بين الديمقراطيين والجمهوريين حول رفع سقف الإقراض الحكومي بعد بلوغه الحد الأقصى
يترقب العالم أزمة ديون، ليست من الدول الناشئة هذه المرة، وإنما من أكبر اقتصاد في العالم، الولايات المتحدة، بعد أن تفاقم الصراع بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري حول سقف الدين الأميركي بعد أن بلغ الحد الأقصى عند 31.4 تريليون دولار في يناير (كانون الثاني). وفي حال لم يتم رفع هذا الحد بحلول يوليو (تموز) المقبل، الذي يشترط موافقة الكونغرس، فإن الولايات المتحدة أمام أزمة تعثر عن سداد التزاماتها.
أسباب الصراع
وفي تفاصيل هذا الصراع، فإن الجمهوريين، الذين يسيطرون على مجلس النواب، يضعون شرطاً لرفع سقف الدين بإجبار حكومة جو بايدن على خفض الإنفاق، بينما تعترض الحكومة على ذلك، معتبرة أن أي إنفاق سيؤثر في برامج اقتصادية عدة تمس حياة المواطنين الأميركيين.
خطة الجمهوريين
وكشف كبير الجمهوريين في مجلس النواب الأميركي كيفن مكارثي رسمياً عن تفاصيل خطة تفيد بإمكانية رفع سقف الدين بنحو 1.5 تريليون دولار مقابل أن يعود الإنفاق الفيدرالي الحكومي إلى مستويات عام 2022 ويحد نموه إلى واحد في المئة على مدى السنوات العشر المقبلة.
وتعهد الجمهوريون في مجلس النواب بعدم رفع سقف الدين إلا إذا تم فرض حد أقصى للإنفاق الفيدرالي، في محاولة للحد مما يقولون إنه إنفاق “متهور” من قبل الديمقراطيين.
ويدعو مكارثي إلى تصويت في المجلس قبل نهاية الشهر، إذ قال على موقع التواصل “تويتر” أخيراً إن “الوقت حان لوقف هذا الجنون”.
رد الديمقراطيين
لكن الرئيس الأميركي جو بايدن رد على هذه الخطة محذراً من أنها ستؤدي إلى “خفض هائل” في موازنات مخصصة لبرامج يستفيد منها ملايين الأميركيين.
في المقابل، يعارض الديمقراطيون بشدة المقترح الجمهوري، مشيرين إلى أن “ربط رفع سقف الدين بخفض الموازنة هو ابتزاز”.
أزمة عالمية
وكانت وزارة الخزانة اتخذت إجراءات استثنائية بعد بلوغ سقف الدين الحد الأقصى في يناير الماضي، وسمح لها ذلك بمواصلة تمويل أنشطة الحكومة.
لكن ما لم يرفع الكونغرس سقف الدين أو يعلقه قبل انقضاء مهلة الإجراءات الحالية، تواجه الحكومة الأميركية خطر التخلف عن السداد في موعد أقربه يوليو 2023، ما يحمل تداعيات عميقة على الاقتصاد.
وكانت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين، حذرت من تخلف الولايات المتحدة عن السداد، معتبرة أن ذلك من شأنه أن يسبب “أزمة مالية عالمية” وسيؤدي لزيادة كلفة الاقتراض الحكومي، ويقوض مكانة الدولار بصفته عملة احتياطية عالمية.
مخاوف “وول ستريت”
وأوجد هذا الوضع مخاوف في “وول ستريت”، إذ يعيد الذكريات لمعركة طويلة بين الديمقراطيين والجمهوريين حول مشروع قانون سقف الديون، مثل تلك التي حدثت في عام 2011 والتي أدت إلى خفض لفترة قصيرة في التصنيف الائتماني للولايات المتحدة ودفعت الحكومة لتخفيض نفقاتها الفيدرالية والعسكرية لسنوات عدة.
وأنشأ الكونغرس الأميركي قانون سقف الديون في عام 1917 لمنح الحكومة مرونة أكبر في الاقتراض، إذ يجب أن يوافق على كل زيادة في هذا الدين ضمن سقف محدد، حتى يضمن أن تفي الولايات المتحدة بالتزاماتها تجاه المقرضين وتتجنب التخلف عن السداد بشكل كارثي.
ما الذي يحرك الخلاف؟
وهناك أسباب أيديولوجية خلف المعركة بين الحزبين، فعندما يتسلم الديمقراطيون الحكم، فهم يصرون على تمرير سياسات إنفاق أكبر عن طريق زيادة الضرائب، إذ يؤمنون عموماً بدور أكبر للحكومة في معالجة القضايا الاجتماعية والاقتصادية، وقد يدفعون من أجل زيادة الإنفاق على البرامج الاجتماعية والبنية التحتية.
في المقابل يرفض الديمقراطيون رفع الضرائب لزيادة الإنفاق، فهم يؤمنون بضرورة أن تكون الضرائب أقل لتحفيز رأس المال على المخاطرة والتوسع، كما يعتقدون بأن خفض الإنفاق وتقليص حجم الحكومة هو أفضل طريقة لمعالجة قضية الدين الحكومي.
أمثلة على الأزمات
وتتطور هذه الخلافات لتصبح أزمات فعلية تواجه الاقتصاد كما حدث في أزمة سقف الديون لعام 2011، ففي ذلك الوقت، كان الجمهوريون في الكونغرس يضغطون من أجل إجراء تخفيضات كبيرة في الإنفاق مقابل رفع سقف الديون، بينما كان الديمقراطيون يدافعون عن نهج أكثر توازناً يشمل خفض الإنفاق وزيادة الإيرادات، وأدى الجمود السياسي إلى إغلاق الحكومة والتهديد بالتخلف عن سداد الديون الوطنية، كما تسبب في انخفاض كبير في ثقة المستثمرين، مما أدى إلى خفض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة، وارتفاع أسعار الفائدة.
إضعاف الاقتصاد
وهناك مثال آخر ما حدث عند إغلاق الحكومة عام 2013، عندما رفض الجمهوريون في مجلس النواب تمرير ميزانية ما لم تتضمن أحكاماً لإلغاء تمويل قانون الرعاية الميسرة، أدى الإغلاق الحكومي الناتج من ذلك إلى فقدان نحو 0.6 في المئة من نمو الناتج المحلي الإجمالي في الربع الرابع من عام 2013.
اندبندنت