فرنسا تشوّش هلال الرئاسة وتسكب الماء المثلج فوق رؤوس المتفائلين… هل تغيرت حساباتها اللبنانية؟
هلّ هلال العيد معلناً نهاية صوم مبارك، والانطلاق في رحلة قمرية فضائية شهرية يتحول فيها الى بدر مكتمل الجمال والرونق، ويشع النور والأمل في القلوب والنفوس، لكن اللبنانيين ينتظرون على أحرّ من الجمر، الانتهاء من هذه الرحلة الأرضية الصعبة التي خرجت عن مسار المنطق والعقل والطبيعة، علهم يتلمسون في نهايتها الفرج والضوء والأمل بغد أكثر اشراقاً، وبقمر يضيء لياليهم الحالكة منذ سنوات.
أما هلال الرئاسة فما زال بعيداً وزاد تشويشاً أمس مع بيان مفاجئ لوزارة الخارجية الفرنسية أكدت فيه أنّ باريس “ليس لديها أيّ مرشّح في لبنان” لرئاسة الجمهورية، وذلك بعيد حديث وسائل إعلام لبنانية عن دعم فرنسي لرئيس تيار “المردة” الوزير السابق سليمان فرنجية، بعد زيارته الى بكركي وأجواء إيجابية بثتها كل من حارة حريك وعين التينة وبنشعي.
وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الفرنسية آن – كلير لوجاندر في مؤتمر صحافي: “على اللبنانيين اختيار قادتهم… على الجهات اللبنانية تحمّل مسؤولياتها وكسر الجمود السياسي لانتخاب رئيس جديد بسرعة”، مضيفة أنّ الشغور “يلقي بظلاله أولاً على الشعب اللبناني… يتعلّق الأمر بانتخاب رئيس جديد وتشكيل حكومة مع كامل الصلاحيات تكون قادرة على تنفيذ الاصلاحات التي يحتاجها لبنان والشعب اللبناني بصورة عاجلة في مواجهة الأزمة الخطيرة التي يمرّان بها”. وأشارت إلى أنّ فرنسا تجري “اتصالات كثيرة مع الجهات السياسية اللبنانية”.
بدا هذا الموقف الفرنسي أشبه بماء مثلج فوق رؤوس المتفائلين بالمتغيرات الاقليمية المتسارعة، التي أعقبت الاتفاق الصيني بين السعودية وايران، وبأنها لا بد ستوصل مرشح الثنائي الشيعي الى قصر بعبدا المعتم منذ شهور، وتخوف هؤلاء من أن تكون هناك رسالة سعودية تبلغتها باريس ما اضطرها الى اعادة حساباتها اللبنانية.
وكانت المعارضة تنتقد فرنسا بصورة لاذعة على خلفية اندفاعها الى انتخاب فرنجية للرئاسة، تحديداً بعد زيارة رئيس حزب “الكتائب” النائب سامي الجميل إلى باريس، حيث نقل عن أوساط كتائبية أن مستشار الرئيس الفرنسي باتريك دوريل طرح بصورة مباشرة إسم فرنجية على الجميل، الذي أعلن رفضه السير بهذه التسوية. بالإضافة إلى الجميل كان عضو كتلة “الجمهورية القوية” النائب جورج عقيص يؤكد أن هناك اندفاعة فرنسية باتجاه انتخاب فرنجية، وقد وجه انتقادات الى باريس، معلناً رفض حزبه الدخول في أي تسوية من هذا النوع. ولذلك البيان الفرنسي غريب من نوعه، فهل هو بيان ديبلوماسي كي لا يستفز أحداً من الأطراف اللبنانية، أم هل تلقت فرنسا إشارات سلبية من السعودية بشأن التسوية التي تحاول تسويقها؟
يخشى المسؤولون من أن يهل قمر تموز، موعد استحقاق نهاية ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وأن يكون الشغور الرئاسي على حاله، وربما لهذا السبب تطرق رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل إلى هذا الاستحقاق في المقطع المصور الذي نشره أمس، إلا أن ما كان يهمه في كل المواضيع التي تحدث عنها، هو مهاجمة رفع الرسوم على الأملاك البحرية، وإن عرف السبب بطل العجب، ففديرالية باسيل بلدة البترون، تحتل المركز الأول من حيث المساحة برخص تشغيل أملاك بحرية، وكذلك فيها أكبر تعدٍ على الأملاك البحرية، بالإضافة إلى أن صهر صهر الجمهورية لديه منشأة على هذه الأملاك، أمّنها له باسيل.
رئاسياً، يبدو أن “حزب الله” عاد إلى انتهاج مرحلة ما قبل انتخاب ميشال عون للرئاسة، بحيث نقل عن أوساطه، أنه متمسك بفرنجية، ولا مانع لديه من أن يبقى البلد من دون رئيس لسنة أو سنتين، إلى حين تحقيق ذلك.
وأصبح هناك اقتناع لدى أوساط وسطية بأن القوى المسيحية لم يعد يهمها الاستحقاق الرئاسي، بقدر ما تهمها المزايدة على بعضها البعض في الشارع المسيحي، وأصبح كل حزب يتفنن في المزايدة على الآخر، وللأسف تثار الغرائز عبر رفع شعارات التقسيم والفدرلة، وكل ذلك من أجل تكريس الزعامات المسيحية، ما يضع “التيار الوطني الحر” في موقف صعب، فمن جهة يخاف أن يخسر المزيد من شارعه لصالح خصومه، ومن جهة أخرى يعلم أن “حزب الله” عوضه عن الخسارة، تحديداً في الانتخابات النيابية الأخيرة، وهو مضطر إلى مسايرته بطريقة ما، وقد يكون المخرج للتيار عبر تأمين النصاب، وترك النواب يصوّتون كما يرون مناسباً للبلد.
لبنان الكبير