“استحقاق” السعودية: قمة عربية استثنائية وإحقاق تطور عملاني مع إيران.. لا رئاسة لبنان!
تتأرجح التقديرات اللبنانية حيال انعكاس مسار التسويات الإقليمية على الواقع الداخلي، وإنجاز استحقاق رئاسة الجمهورية. بعض اللبنانيين يعتبر أن المسار المفتوح والوتيرة المتسارعة هدفها أن تقود إلى انتخاب رئيس للجمهورية، خلال فترة قريبة جداً، وتحديداً قبل الوصول إلى نهاية شهر تموز، موعد انتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. وبعض المغالين في التفاؤل أيضاً، يعتبر أنه يمكن انتخاب الرئيس قبل 19 أيار المقبل، ليشارك صاحب الولاية الجديدة في القمّة العربية.
في المقابل، هناك وجهة نظر أخرى ترى الأزمة طويلة ومستعصية، بفعل عدم التجاوب الداخلي مع مسار التسوية. وبالتالي، وجود ديناميكية معرقلة.
قمة الرياض
ما بين وجهتي النظر، لا بد من تسجيل جملة ملاحظات، يبقى أساسها مرتبطاً بالقمّة العربية. هذه القمة التي ستعقد في الرياض بالمملكة العربية السعودية، والتي يريدها ولي العهد السعودي أن تكون قمة استثنائية. ولذلك، هو يحاول بذل كل جهوده في سبيل توجيه الدعوة لرئيس النظام السوري بشار الأسد للمشاركة فيها. لم تنجح المحاولة الأولى في الاجتماع الوزاري الذي عقد في جدّة. بينما ستكون هناك محاولات ثانية وثالثة في اجتماع وزاري بالعاصمة الأردنية عمان، وربما في أماكن أخرى.
تعثّر توجيه الدعوة لدمشق يأتي بسبب مواقف عربية اعتراضية، تعتبر أنه لم يحصل أي تغيير في سوريا يستحق إعادتها إلى مقعدها في الجامعة العربية. كذلك لا يمكن إغفال مقدار الاعتراض الأميركي عن ذلك. ولكن، في المقابل، لا يبدو أن ولي العهد السعودي في وارد الاستسلام حتى الآن.
وفي سبيل انجاح القمّة، التي يريدها الرجل تتويجاً عربياً له، تتسارع الخطوات السعودية في اتجاه المصالحة مع إيران وحلفائها، ولو اقتضى ذلك تقديم الكثير من التنازلات. هنا يبقى التركيز على الصورة أكثر من المضمون. ما يعني أن بعد القمّة سيختلف عما قبلها في ملفات عديدة. بما فيها الملف اللبناني.
كيف يعني ذلك؟ فبحال أرادت السعودية أن تنسحب صيغة التسويات على لبنان رئاسياً، وبالاستناد إلى ضغط روسي، صيني، فرنسي وسوري، يهدف إلى إقناع الرياض بخيار فرنجية، يمكن أن تبرز تطورات تتعلق بإنجاح القمّة، ولكن من دون أي مفاعيل سياسية لصالح السعودية فيما بعد. وتراهن القوى الضاغطة على السعودية على جملة مقومات من بينها ما اصطلح على تسميته بالضمانات المقدمة من فرنجية. لذلك، بعد تسليم هذه الضمانات من قبل الفرنسيين إلى السعوديين وتركها لدراستها، اعتبر الفرنسيون أنهم حققوا خرقاً في الجدار، وعلى أساسه انطلقت حركة سليمان فرنجية من بكركي.
قوى الاعتراض
في هذا السياق، رميت الكرة في ملعب اللبنانيين، لا سيما القوى الرافضة لمثل هذه التسوية، وأولها القوى المسيحية كالتيار الوطني الحرّ، القوات اللبنانية، حزب الكتائب، نواب مستقلون، وكذلك اللقاء الديمقراطي في ضوء تجديد وليد جنبلاط لموقفه المستبعد لأن تكون هذه التطورات الحاصلة تشمل الملف اللبناني، معبراً عن رفضه السير بخيار رئيس التحدي. كذلك الأمر بالنسبة إلى عدد من النواب السنّة الذين يرفضون انتخاب فرنجية، ما لم تحصل موافقة سعودية علنية.
من هنا ستبقى مشكلة تأمين النصاب قائمة. ربما تسعى هذه القوى المعارضة إلى تجميع موقفها من الآن وحتى ما بعد القمّة العربية، بشكل يتخفف فيه ضغط التسوية الذي يستغل البعض ظرفه في سياق إنجاح القمة العربية.
مكاسب مع إيران وفي سوريا
ولكن في ضوء كل ما يجري، يبقى لبنان وملفاته ورئاسته تفصيلاً. خصوصاً أمام التحول السعودي الكبير تجاه الملف السوري. وعليه، فإن لبنان يصبح مجرد تفصيل. لأن تطورات الخارج تبقى أعظم بكثير من مسألة انتخاب فرنجية رئيساً للجمهورية بالنسبة إلى المعارضين. فإلى جانب إنجاح القمة العربية، ثمة تركيز سعودي أيضاً على إحقاق تطور عملاني في العلاقة مع إيران، وهو ما تنصب الجهود عليه لإنجاح زيارة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي إلى الرياض، وأن تخرج الزيارة واللقاءات التي ستعقد بمواقف واضحة حيال التعاون وحفظ الاستقرار في المنطقة.
السياق العلني لكل هذه التطورات، ورد في مضمون البيانات السعودية حول العلاقة مع إيران ومع سوريا. فمع الأولى، كانت المواقف السعودية واضحة لجهة الحفاظ على استقرار الدول وعدم التدخل بشؤونها. وكان ذلك مقروناً بانفتاح سعودي متعدد الاتجاهات يوحي بأن الرياض تستعيد كل هذه الملفات إلى يديها. ومع الثانية، فإن المواقف السعودية واضحة أيضاً لجهة المطالب، وأبرزها تسوية سياسية تشتمل على إجراء المصالحة الوطنية، إعادة اللاجئين، وضبط الحدود ووقف تهريب المخدرات.
عملياً بدأت السعودية بتحقيق المكاسب في الملف الأخير، بناء على تعاون أمني سوري. أما الملفات المتبقية فيمكنها أن تبقى معلّقة شهوراً. ومن هنا يمكن لهذه البيانات العملانية أن تختلف عن الأمر الواقع على الأرض، فتبقى البيانات في سياقها، فيما تبقى هذه الساحات مجالاً مفتوحاً للمناورات الداخلية من دون استهداف السعودية، ما يكرس المزيد من الابتعاد السعودي عن هذه المنطقة لصالح الاهتمام بالداخل السعودي والمحيط الخليجي.
منير الربيع- المدن