منى واصف: على الجيل الجديد أن يعرف الناس ويعيش مثلهم!

بحضورها الطاغي وأدائها المقنع والمتميز الذي لا يشيخ، بل أبقاها على عرش التمثيل كنجمة عربية من الطراز الرفيع، أطلت منى واصف في الموسم الرمضاني 2023 من خلال مسلسل “وأخيراً”.

منى واصف التي قدمت خلال مسارها الفني الطويل الذي بدأ عام 1961عدداً كبيراً من الأعمال المسرحية والسينمائية والتلفزيونية، أغنت ثقافتها الفنية بالقراءة والاطلاع وبمعاصرتها لرواد في عالم الفن من كتاب ومخرجين. وتعاملت مع عدد كبير من نجوم سوريا والوطن العربي وقدمت معهم أعمالاً قيمة حظيت بالنجاح وأغنت المكتبة الدرامية، كما برزت في الأعمال التاريخية التي هي اليوم شبه مغيبة عن الدراما العربية، مقابل سيطرة واضحة للأعمال المشتركة وأعمال البيئة الشامية.

البيئة الشامية والدراما السورية

بداية تتحدث واصف عن سبب هيمنة أعمال البيئة الشامية على الدراما السورية وموقفها منها، وتقول: “أولاً، الدراما السورية انتشرت بهذا النوع من الأعمال كما في الأعمال التاريخية لكونها حظيت بإعجاب الجمهور العربي وباحترامه. ثانياً، الدراما السورية كانت محتجبة طوال السنوات العشر الماضية. ومع عودتها إلى الشاشات العربية كان من الطبيعي أن تعود أعمال البيئة لأنها تعكس بيئتنا، ولكنني لست مع سيطرتها، لأن الدراما السورية انتشرت أيضاً بفضل الأعمال التاريخية لأنها حققت نجاحاً كبيراً، وتم تقديمها بطريقة مدروسة جداً. ولكن هذا هو التوجه السائد حالياً ومع الوقت لا بد وأن يتغير الوضع”.

وعن سبب غياب الأعمال التاريخية عن الشاشات العربية وهل هذا الغياب يعني أنها لا تتماشى مع الموضة السائدة اليوم في عالم الدراما التلفزيونية بعد تحول الفن إلى موضة، توضح: “لا شك أن هناك تقصيراً في الأعمال التاريخية، ربما لأنها تقدم باللغة العربية الفصحى، والفترة الأخيرة شهدت تراجعاً كبيراً في عدد الأعمال التي تقدم بهذه اللغة الفصحى التي تعد سبباً من أسباب نجاح الأعمال التاريخية ولا يمكن تقديمها باللهجات المحلية، عدا عن أنها تحتاج إلى دراسة كبيرة وإنتاج ضخم. الأعمال التاريخية ليست “مزحة” ومن يرغب بتقديمها عليه أن يعطيها حقها وحق المرحلة التاريخية التي يتم تناولها. على سبيل المثال، لا يمكن تناول بداية العثمانيين كما يتم تناول بداية العرب”. ولأن الإنتاجات الضخمة متوفرة، تعقب واصف: “ربما لأن الموضة السائدة اليوم لا تميل إلى الأعمال التاريخية أو ربما لأن شركات الإنتاج تقدم الأعمال التي تطلب منها، ولكن هناك كلام يتردد عن وجود أعمال تاريخية جاهزة وتنتظر انتهاء شهر رمضان لعرضها، وأنا كممثلة أحرص على وجودها”.

الدراما المصرية والبطل الأوحد

في المقابل، ورداً على سؤال حول ما إذا كانت الدراما المشتركة في منطقة بلاد الشام تمكنت من منافسة الدراما المصرية والتفوق عليها، فإنها تجيب: “طبعاً هي تنافسها، ولكنني لا أعرف ما إذا كانت قد تفوقت عليها أم لا ويمكن القيام باستفتاء للتأكد من ذلك. لا شك أن عدد الإنتاجات المصرية أكبر وهذا مهم جداً. ولكن لأن الإنتاجات المشتركة هي التي تجذب الجمهور العربي، فهذا يعني أنها تفوقت عليها. ولكنني لا أعرف إلى أي حد. فلتستمر المنافسة والتاريخ كفيل بإثبات كل شيء. عندما برزت الدراما السورية تم الاعتراف بأنها دراما متفوقة حتى على لسان أهم النجوم المصريين، لأن العمل المحترم لا يمكن إلا الاعتراف به حتى لا شعورياً. ميزة الدراما المشتركة أنها تقوم على البطولات المشتركة، ولا تعتمد على البطل الأوحد إلا نادراً، في حين أن هناك أعمالاً تكتب خصيصاً لممثل معين، مع أنها لا تتناسب مع عمره، لمجرد أنه مطلوب جماهيرياً، وهذا السبب هو الذي أدى إلى تراجع الأعمال المصرية. أما اليوم فكل أعمالهم تقوم على البطولات المشتركة ونادراً ما يكون هناك بطل واحد وهنا أتحدث تلفزيونياً”.

ولكن بعض الأعمال في الدراما المشتركة تعتمد على البطل الأوحد الذي تحيط به مجموعة من النجوم كما في تجربة الممثل تيم حسن، ترد: “لا مشكلة في ذلك شرط ألا يكون هناك إلغاء لبقية الممثلين. هناك فرق بين أن يكون الممثل هو البطل الأوحد إذا كانت تناسبه الشخصية، وبين أن يُكتب العمل خصيصاً لممثل لا تناسبه الشخصية، ولكنه مطلوب جماهيرياً”.

في المقابل، تستعرض واصف الأسباب التي تجعل الممثل السوري يتفوق على سواه من الممثلين أداءً وحضوراً وموهبة وتواجداً، وتوضح: “نحن بنينا وتعلمنا بشكل صحيح، ونعرف قيمة النقاش والبروفات والبيئة والمكان والزمان والملابس والمخزون الإنساني الموجود داخل الممثل، وماذا يعني إعداد الممثل. يوجد في سوريا مخرجون أكفاء درسوا الإخراج في روسيا وفي الدول الغربية، ويعرفون كيف يتم إعداد الممثل القوي، علماً أن معظم الذين كتبوا عن إعداد الممثل هم من الروس. لم يكن يوجد ما يعرف حالياً بالنجم أو بالنجمة، بل كان هناك عمل، وهذا أمر مهم جداً. والاختلاف عند الممثل السوري تحقق بعدما أنهكته بروفات الأعمال المسرحية والتحضير لمدة شهرين لحلقة تلفزيونية واحدة لأنه لم يكن هناك مونتاج. ولم يكن يقال عن الممثل أنه نجم إلا بعد أن يكون قد قطع مرحلة كبيرة جداً من العطاء ولم يحصل أبداً أن نجّم ممثل من عمل واحد”.

موليير وشكسبير

تعارض منى واصف ما قاله عابد فهد بأن الدراما العربية تعاني من أزمة نصوص ومن وجود مخرجين حقيقيين وتقول: “أنا أحترم وجهة نظره، وكل شخص له وجهة نظر. عابد فهد ليس فناناً عادياً ولديه طموحات وتطلعات، وأنا أيضاً لدي وجهة نظر، وأعتبر أنه يوجد مخرجون وسوف يبرز مزيد منهم لاحقاً. كما يوجد كتاب أيضاً لأنه لا يعقل أن أفكر بعد 60 عاماً من العطاء أين أجد مؤلفاً مثل شكسبير أو موليير، ولا يمكن بعد تاريخ مسرحي قدمت خلاله 40 عملاً مسرحياً، أن أجري مقارنة بين مبدع وآخر. ولو أنه لا توجد نصوص فعلاً فكيف وصلت إلى هذه المرحلة؟ عابد فهد قال هذا الكلام نتيجة وجع يشعر به، ولأنه يطمح في أن يكون أفضل، وكل منا يطمح لذلك. ولكنني تعلمت أن أختار أجود السيئ، ولا يعقل أن أجلس في بيتي وأن أقول بأني لن أعمل إلا إذا أعطيتموني ما أريده. وفي الأساس لا يمكنني أن أعرف مسبقا أي الأعمال ستنجح وأيها ستفشل، ولم أقل يوماً للناس انتظروني سوف أقدم لكم عملاً ناجحاً”. وتتابع: “عندما كنا نشارك في أعمال المسرح القومي كان يذكر في الإعلان اسمي المخرج والمؤلف، وعبارة “وزارة الثقافة تقدم المسرح القومي”، ولم يكن يذكر اسم الممثل أبداً، وفي التلفزيون كانت أسماؤنا تذكر حسب الظهور، حتى لو كنا بطلات وأبطالاً. ولذلك أنا اليوم أحصن نفسي في حال ذكر اسمي بطريقة لا تتناسب مع مشاركتي في العمل، لأنني من جيل الممثلين الذين كانت تذكر أسماؤهم بحسب الظهور. وهذا الأمر لا يسبب مشكلة لي، بل مشكلتي هي في محبة الناس لي واحترامهم لعملي وأدائي، وفي متابعتي وهذا ما يحصل فعلاً. أنا لم أخف يوماً من فشل ولم أنتشِ من نجاح، لأنني ممثلة على الطريقة الكادحة أو البروليتاريا”.

تقارن واصف بين جيلها الفني الذي تعب وضحى وحافظ على تواضعه، وبين الجيل الحالي الذي أغوته الأضواء وأصابته بالغرور، قائلة: “لم يكن هناك شيء سهل في حياتنا، وما وصلنا إليه لم يأت من فراغ، بل نحن صنعناه، لأننا عملنا وتعبنا وتقدمنا وضحينا، مع أنني لا أحب كلمة “ضحينا” لأننا عندما نحب لا نشعر أننا نضحي، بل نعطي. نحن أعطينا وأحببنا وكافحنا من أجل أن يعترف الناس بأنه يوجد فن في سوريا، وهذا مهم جداً. والأمر نفسه ينطبق على الجيلين اللذين أتيا بعدنا. ربما نحن أكثر تواضعاً نتيجة ظروف معينة، وهذا أمر عادي. وعندما يسألني الجيل الجديد عن تواضعي أجيب: “شوفوا الناس”، نحن من الناس ونقدم أعمالاً لهم، وعندما أقدم عملاَ يتناول بيئة معينة أرتدي ملابسها وأتكلم وأتصرف مثلها، لأنني أرى الناس وهذا ما تعلمناه. وعندما أقدم أعمالاً تاريخية عالمية، يختلف الوضع وأشاهد أفلاماً وأقرأ وأتابع، أما المسرح فهو مختلف لأن معظم ما قدمناه هو من المسرح العالمي”.

اندبندنت

مقالات ذات صلة