“العربجي”: “عبدو البطل الخارق”… استعادة فاشلة لمسلسلات البيئة الشامية..

مع اقتراب نهاية مسلسل “العربجي”، يمكن القول أن المخرج عامر فهد كان على صواب عندما رفض إخراجه. فالنص الذي شارك في كتابته عثمان جحا ومؤيد النابلسي، والذي طلب من شركة الإنتاج “غولدين لاين” إعادة بنائه، كان مخيباً للآمال. وفضلت شركة الإنتاج الإستعانة بمخرج آخر بديلاً عن عامر فهد، فاختارت سيف الدين السبيعي، الذي قدم، بنظر كثيرين، أسوأ مسلسلات البيئة الشامية هذا العام، إذا لم نحتسب الجزء الجديد من مسلسل “باب الحارة”.

يحتوي مسلسل “العربجي”، وهو اسم يطلق على سائق العربات في الشام قديماً، على جملة من الهفوات اللامنطقية، وهو لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتم تصنيفه خارج نطاق دراما البيئة الشامية. فالأزياء والديكورات مستوحاة من دراما البيئة الشامية، تُضاف إليها بعض التعديلات غير المفهمومة، كأزياء النساء اللواتي يرتدين في بعض الحلقات عباءات ملونة، الهدف منها إضفاء لمسة جمالية بصرية، لكنها لمسة غير كافية لتغريب “العربجي” عن مسلسلات البيئة الشامية إطلاقاً.

وتتمحور القصة التي تدور أحداثها في دمشق زمن العثمانين، حول “عبدو العربجي” (باسم ياخور)، بطل خارق من المستحيل أن يُهزم في أي معركة يخوضها. يخوض العربجي صراعات مع زعماء الحارة “أبو حمزة” (سلوم حداد)، وأرملة أخيه زعيم النشواتية “درية خانوم” (نادين خوري)، اللذين يحاولان التخلص منه ومن عائلته لأسباب غير منطقية، فهو شخص بسيط ليست له أي سلطة، هو فقط يرفض أن يشترك في تنفيذ مشاريعهم الشريرة، التي لا يشارك فيها حتماً معظم الرجال البسطاء في الحارة؛ فلماذا كل هذا التحامل على “عبدو” وحده إذاً؟

يروّج المسلسل للعديد من الأفكار الذكورية والعنيفة، ولا يواكب التطور الذي أصاب مسلسلات البيئة الشامية في السنوات الأخيرة، والتي بدأت تتفادى الأخطاء القديمة، خصوصاً في ما يتعلق بمسألة إهانة النساء. ففي غالبية مسلسلات البيئة الشامية الأخرى، “مربى العز” و”زقاق الجن” و”حارة القبة”، نلاحظ أن حضور الشخصيات النسائية بات أكثر إتزاناً، ولم يعد يقتصر على الزوجات المحجورات في المنازل اللواتي لا يختلفن في شيء عن الخدم، وما يناقضهن من شخصيات نسائية متسلطة خارجة عن الأعراف والتقاليد، وتمثل الشر المطلق. وإنما نجد نساء ينتمين للبيئة ذاتها التي نعرفها، لكن لكل منهن أفكارها وآراؤها وردود أفعالها المختلفة عن جوقة النساء الملتحفات بالسواد وفاقدات الهوية الفردانية.

فالملايات السوداء -في “حارة القبة” ومسلسلات البيئة الشامية التي تبعته- لا تمنع النساء من انتقاد السلطة الأبوية ورغبة الرجال في التحكم في مصيرهن.

على العكس من ذلك، فإن مسلسل “العربجي” الذي يحاول أن يتبرأ بخطوطه العريضة من دراما البيئة الشامية وانتقاداتها الكبيرة، يبدو أنه المسلسل الوحيد المتمسك فكرياً بالرواسب الذكورية لدراما البيئة الشامية. فعلى الرغم من أن الشخصية النسائية الرئيسية، “درية خانوم” تبدو مختلفة عن الصورة النمطية للمرأة في دراما البيئة الشامية، بسبب طبيعتها المتسلطة ومحاولتها انتزاع زعامة الحارة من الرجال، إلا أن هذه الشخصية الإستثنائية والثورية لا يمكن النظر إليها كقدوة، فهي ما ينبغي نبذه وتفاديه.

ومن مشكلات “العربحي” أيضاً أنه يروج للعنف بشكل مبالغ فيه، فشخصية “عبدو” الذي يصوره المسلسل كبطل شعبي على أعتاب التحول لبطل خارق، يُغالى في توصيفه كرجل يتمتع بأخلاق حميدة ويدافع عن المظلومين ويحاول تحقيق العدالة. وفي سبيل أهدافه النبيلة تُبرر له كل الأفعال العنيفة والإجرامية، كالتعدي عالنساء وقتل الأخرين؛ وتُبرّر أفعاله بالظلم الذي تعرض له.

نور عويتي- المدن

مقالات ذات صلة