الإنتخابات البلدية: هذا هو السبب الحقيقي الذي دفع إلى تبنّي خيار التأجيل!
أخفى الذين شاركوا في الجلسة التشريعية التي عقدت في مجلس النواب يوم أمس، أو قاطعوها، والتي جرى فيها تمديد ولاية المجالس البلدية عاماً إضافياً، وبالتالي تأجيل إجراء الإنتخابات البلدية والإختيارية إلى ذلك الحين بعدما كانت مقرّرة في شهر أيار المقبل، أخفوا السبب الحقيقي الذي دفعهم إلى تبنّي خيار التأجيل والسير به.
فالأسباب التي برّرت يوم أمس تأجيل إجراء الإنتخابات البلدية ليست جديدة؛ فخلال الأسابيع والأيّام الأخيرة حفلت السّاحة السياسية بتبريرات مختلفة لهذا الغرض، لكنّها لم تقنع كثيرين، كما أنّ “همروجة” الإعتراض على التمديد للبلديات، سواء داخل المجلس أو خارجه، إلى جانب بعض المواقف المتشجنة والسّجال الإعلامي الذي نشب خلال الجلسة بين المشاركين فيها، لم يكن الهدف منها سوى تحويل الأنظار وحجب الأضواء عن السبب الحقيقي الذي يقف وراء تأجيل الإنتخابات، الذي فضّل الجميع لسبب أو لآخر عدم الإتيان على ذكره.
هذا السبب غير المعلن لم يكن في الحقيقة سوى مصير الإنتخابات البلدية في العاصمة بيروت، والتساؤل وفق أيّ قانون إنتخابات ستجري، في ضوء مخاوف جدّيّة وواسعة كانت محل نقاش عميق في مختلف الأوساط السياسية المعنية، من أن تؤدّي الإنتخابات البلدية في العاصمة إلى تقليص التمثيل المسيحي فيها، وحتى الإطاحة به كليّاً.
فمنذ أسابيع كانت تصل إلى الدوائر السّياسية والدينية المعنية، خصوصاً المسيحية منها، تقارير وخلاصات إستطلاعات رأي تفيد أنه في حال جرت الإنتخابات البلدية في بيروت وفق القانون الإنتخابي السائد القائم على الأكثرية، ومن غير تخصيص المقاعد بين الطوائف والمذاهب، فإن المسيحيين سيخرجون من مولد إنتخابات بلدية بيروت بلا حمّص، وأنّ الفارق الديموغرافي الكبير بين المسلمين والمسيحيين لمصلحة المسلمين، سيجعل من المستحيل حصول المسيحيين على أكثر من 4 مقاعد من أصل 24 مقعداً يتكوّن منها مجلس بلدية العاصمة، وهي نتيجة في حال ترجمت في صندوق الإقتراع فإنها ستكون كارثة على المسيحييين بكل معنى الكلمة، وسيجعل مبدأ المناصفة بين الجانبين في خبر كان.
وكشف مراقبون أنّ “عقدة” إنتخابات بلدية بيروت كانت السبب الفعلي وراء تأجيل الإنتخابات، وليس عدم توافر التمويل اللازم، وأنّ هذه العقدة لم يتم فكّها وإيجاد مخرج لها طيلة الفترة الماضية، في ضوء التجاذب بين المسيحيين الذين طالبوا بإقرار مناصفة أعضاء مجلس بلدية بيروت ضمن القانون الإنتخابي المرتقب وليس تركه عرفاً، أو تقسيم مدينة بيروت إلى بلديتين الأولى ذات أغلبية مسيحية والثانية ذات أغلبية إسلامية، لكن هذين الطرحين لم يلقيا إستجابة إسلامية إنطلاقاً من أن فتح الباب أمام توزيع مقاعد مجالس البلديات حسب التوزيع الطائفي والمذهبي، يعني دفن تطلعات الجيل الحالي من الشباب نحو إقرار قانون إنتخابات بلدية عصري وحديث، كما أنّ تقسيم بلدية بيروت إلى بلديتين سيفتح الباب أيضاً أمام مطالب ودعوات تقسيم أغلب البلديات المختلطة في لبنان، وضرب التعايش الوطني في الصميم، ودفع المواطنين والمناطق نحو العزلة والإنغلاق والتقوقع.
عبد الكافي الصمد