هواجس “الشيعي” وظروف باسيل “القاهرة” ورهانات جعجع
السر المعلوم للجميع تأكد أمس، اذ أقر التمديد للمجالس البلدية والاختيارية. وبعيداً عن الدخول في التفاصيل، إن كانت هناك موجبات للتمديد أم لا، كان لافتاً حضور “التيار الوطني الحر” الجلسة التشريعية التي أقرت التمديد، بدل أن تكون جلسة لاقرار التمويل للانتخابات. وأكد أنه ضد الجلسات بالمبدأ ولكنه يقبل أن يشارك في جلسة تشريعية إن كانت هناك ظروف قاهرة، معتبراً أن الفراغ في المجالس البلدية ظرف قاهر. ولكن أليست هناك ملفات قاهرة غير الفراغ على المستوى البلدي؟ وماذا عن حليف التيار “حزب الله”، هل يفضل أيضاً التمديد للمجالس البلدية؟ وماذا عن حليف الحليف أي حركة “أمل”، ما هو رأيها في الملف البلدي؟
الثنائي الشيعي لا يخاف الانتخابات البلدية، ويرحب بأي استحقاق دستوري كونه مطمئناً إلى قاعدته الشعبية، التي لم تتعرض لتراجع كبير في البيئة الحاضنة، وقد يكون “حزب الله” تحديداً يخاف على حلفائه، وأولهم “التيار الوطني الحر”، وقد يفضّل عدم ظهور تراجع للتيار، أو حتى أكثر من ذلك عدم ثبات تقدم خصومه على الساحة المسيحية تحديداً “القوات اللبنانية”. ولكن الهاجس الأكبر لدى الثنائي الشيعي يبدو أمنياً، فهناك الكثير من المناطق المختلطة، وقد يتطور أي خلاف انتخابي بسيط، إلى إشكال كبير، لا يمكن احتواؤه، أو حتى تخطيه في المستوى السياسي العام، مع تفشي خطابات التقسيم والفدرلة. ويمكن قراءة الهاجس عند الثنائي الشيعي، في خطاب الأمين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصر الله، عندما تطرق الى موضوع التوقيت الصيفي، منتقداً اللغة التي رافقت الجدل في هذا الملف، والتي اعتبرها لغة سقطت فيها كل المحرمات في الموضوع الديني على مواقع التواصل الاجتماعي. وسأل في حينه: “لماذا عندما يحصل أي خلاف نذهب به إلى الأخير؟ وهذا الخطاب للجميع حتى للقوى السياسية”، معتبراً أن “على الناس أن تعيش مع بعضها فالبلد لا يتحمل فديرالية أو تقسيماً والتجربة التاريخية تقول ذلك”.
منذ الدخول في الفراغ الرئاسي بعد نهاية عهد الرئيس ميشال عون في تشرين الأول الماضي، لم تعقد أي جلسة تشريعية، وذلك بسبب رفض بعض الكتل، وعلى رأسها “القوات اللبنانية” و”التيار الوطني الحر” التشريع في غياب الرئيس، علماً أن التيار كان ألمح عدة مرات، الى أنه قد يقبل بجلسة تشريعية إن كانت هناك ملفات مهمة، ولكن هذه الملفات يحددها التيار وحده، فمثلاً طيّر جلسة للجان المشتركة في 28 شباط الماضي بسبب ما اعتبره مخالفة دستورية، لأن الجلسة كانت تناقش قوانين محولة إلى المجلس من الحكومة، والتيار يعتبر أن الحكومة فاقدة للشرعية للقيام بهذا الأمر، وبعد انسحابه انسحبت “القوات” وخلفها “الكتائب”، في مزايدة شعبوية واضحة بين الكتل المسيحية. جلسة اللجان في حينها كانت تناقش قوانين للبت بها في جلسة تشريعية من المفترض أنها كانت مرتقبة، منها قانون إنشاء نظام التقاعد والحماية الاجتماعية، القانون الرامي إلى تحديد إتفاق بيع مادة زيت الوقود بين حكومة جمهورية العراق وحكومة الجمهورية اللبنانية، القانون المتعلق بإلزام شركات الضمان العاملة في لبنان بتسديد جزء من الأموال الناتجة عن عقود الضمان كافة كأموال جديدة ( (fresh money، والقانون الرامي الى استرداد الأموال النقدية والمحافظ المالية المحولة الى الخارج بعد تاريخ 17 تشرين الأول 2019. بالنسبة الى التيار كل هذه المشاريع غير مهمة وغير “قاهرة” كما قال رئيس التيار النائب جبران باسيل أمس في تصريح من مجلس النواب، وما لا يعتبره باسيل “قاهراً” أيضاً هو انعقاد الحكومة من أجل درس ملفات مثل الطبابة، التعليم، الكهرباء، الدعم الاجتماعي وغيرها من المواضيع الحياتية التي تعنى مباشرة بالمواطن، بل انه أكد في عدة مناسبات، أنه يفضل أن يسجل هدفاً في السياسة على أن يسيّر شؤون المواطن الذي يعاني بسبب ما أوصله إليه حكم “الرئيس القوي” خلال 6 سنوات. وهنا بيت القصيد، فباسيل وتياره، يفضلان أن يخوضا معركة انتقامية من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، الذي يعتبرانه عدواً، لأنه لم يخضع لاملاءات باسيل الحكومية، إبان فترة التكليف بتشكيل حكومة جديدة، حين كان يريد أن يكون مسيطراً بصورة كاملة على أي حكومة تشكل، كونها ستحكم في فترة الفراغ الرئاسي، وهذا ما رفضه ميقاتي، وجعله هدفاً لباسيل في كل الفترة منذ نهاية العهد حتى اليوم، عدا عن أن موقع رئاسة الحكومة عموماً هو هدف لـ “التيار الوطني الحر”، الذي كان من الواضح خلال فترة 6 سنوات أنه يسعى الى ضرب اتفاق الطائف بالممارسة، الأمر الذي أدى إلى أن يعيش البلد، قصة الانتقام من الطائف لفترة 6 سنوات أوصلته إلى جهنم.
“القوات اللبنانية” قد تبدو مبدئية أكثر في قراراتها بشأن التشريع، فهي من اليوم الأول ترفض أي جلسة تشريعية في ظل الفراغ الرئاسي، علماً أنها شاركت في التشريع في فترة الفراغ الرئاسية السابقة، التي أقر فيها أكثر من 100 مرسوم، الأمر الذي أشار إليه رئيس حزب “القوات” سمير جعجع ولكن مشكلتها أنها لا تقدم بدائل، بل تترك البلد لمصيره تحت سلطة الفراغ، من دون أن تقبل حتى بأي حوار لحل الأزمة الرئاسية، وترفع عناوين كبرى مثل “العملية الديموقراطية”، مطالبة بجلسات مفتوحة لانتخاب الرئيس، معتبرة أن من شأنها أن تنهي الفراغ الرئاسي، ولكنها تعيد وتناقض نفسها عبر إعلانها أنها ستعطل النصاب في حال وجدت أن المجلس النيابي سينتخب رئيساً ممانعاً. “القوات” ترفض حتى الحوار مع “التيار الوطني الحر” للتوافق حول الرئاسة، علماً أن الأخير يظهر كأنه يستجدي اللقاء معها من أجل التوافق. رفعت “القوات” شعارات كبيرة إبان فترة الانتخابات النيابية الأخيرة، وضمنت أنها تستطيع أن تنفذها إذا حصلت على كتلة نيابية وازنة، وإذا انتزعت الأكثرية النيابية من فريق 8 آذار، وعلى الرغم من حصول الأمرين، تتوالى خيباتها السياسية، من انتخابات هيئة مكتب مجلس النواب، إلى انتخابات اللجان، مروراً بالاستحقاق الرئاسي، فقد أثبت فريق 8 آذار في جلسة الأمس، أن كل ما يحتاجه رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية للوصول إلى الرئاسة من جهة التصويت في المجلس النيابي هو “التيار الوطني الحر”، وكون التغيريين ليسوا في وارد تعطيل النصاب في المجلس النيابي، حتى لو كان لانتخاب فرنجية، فقد تخسر “القوات” رهانها على التعطيل. وهنا يطرح السؤال نفسه، هل تتراجع “القوات” عن موقفها من التيار وتقبل معه بالتوافق على اسم، لقطع الطريق أمام فرنجية؟ من المؤكد أن هذا ما يراهن عليه التيار، قبل أن تفرض الضغوط نفسها عليه، ويعود إلى كنف حليفه “حزب الله”.
محمد شمس الدين- لبنان الكبير