في حرب الجنرالين: سقط السودان في المحظور!

لم يتأخرّ السودان عن اللحاق بركب بعض الدول العربيّة التي سقطت في فخّ التآكل والاقتتال الداخلي. فهي من جهة، وحسب القانون الدولي، دول (De Jure) تتمتّع بمفهوم السيادة، والاستقلال، وحقّ تقرير المصير. لكنها من جهة أخرى، حسب الواقع الفعلي والمرير على أرض الواقع (De Facto)، دول مهشّمة، لا مركزيّة سياسية وعسكريّة فيها، حتى لا قرار سياسي حرّ. والأمثلة كثيرة في هذا المجال، تبدأ من سوريا، وتنتهي بليبيا، مروراً بلبنان.

للسودان موقع جيوسياسي مهمّ جدّاً. فهو يجاور مصر من الشمال، إريتريا وإثيوبيا من الشرق، تشاد وليبيا من الغرب. يطلّ السودان على أهمّ بحر من الشرق، البحر الأحمر، الذي يربط أهم ممرّين بحريين، هما باب المندب، وقناة السويس.

السودان محطّ اهتمام الدول العظمى، كما الدول الإقليميّة الكبرى. تريد روسيا قاعدة بحريّة لها، كما تريد نفس الشيء تركيّا. في السودان توجد الشركة الأمنيّة الروسيّة فانغر. والهدف هو تعزيز الدور والتأثير الروسي في أفريقيا، كما السعي للسيطرة على مناجم الذهب السودانيّة. إذا اضطّرب السودان وتزعزع، يهتزّ الأمن القومي المصري. فالسودان يشكّل العمق الاستراتيجي لمصر. وهو ضرورة حيويّة الآن، مع سعي إثيوبيا إلى تعبئة سدّ النهضة.

يختلف وضع السودان اليوم عن غيره من الدول. فالحرب الدائرة اليوم حتى الآن ليست حرباً أهليّة. هي حرب الجنرالين، أصدقاء الأمس وأعداء اليوم. والسبب هو دائماً من يمتلك «السلطة». لكن استمرار الاشتباكات إلى فترة طويلة قد يؤدّي إلى حرب أهليّة.

تمتدّ الاشتباكات على كلّ مساحة الأرض السودانيّة، من الخرطوم، إلى أم درمان، إلى مروي، إلى الفاشر حتى إقليم دارفور. وهذا ما يعقّد الوضع الميدانيّ.

لا يتوفّر حالياً الإطفائي القادر على فرض وقف للنار، وبالتالي الانتقال إلى الحلّ السياسيّ. وإذا قبل الجنرالان بالانتقال للحلّ السياسيّ، فلا توجد خريطة طريق لمكوّنات هذا الحلّ تختلف في جوهرها عن الحلول السياسيّة التي كانت قبل بدء الاشتباكات. فالحل السياسي اليوم قد يعني الخسارة للاثنين معاً، لأن الحل سيكون حتماً مع قيادات مختلفة.

كذلك الأمر، لا تتوفّر ذراع عسكريّة قادرة على وقف الاشتباكات. فالعالم منهمك في مشكلاته، والأولويّة اليوم هي لما يحدث في أوكرانيا أولاً، وحول تايوان ثانياً. حتى إن المؤسسات الدوليّة والإقليميّة ليست قادرة على فرض الحل، على الصعيد الأفريقي – العربيّ، ناهيك بالصعيد الدولي ومستوى مجلس الأمن.

– التطوّرات الميدانيّة!

بغض النظر عن موازين القوى بين الجيش السوداني، وقوات الدعم السريع، فإن مصير ونتائج الاشتباكات لا تعرف لمصلحة من حتى الآن.

فالقوّة الصلبة هي لصالح الجيش السوداني، من دبابات، مدافع، طائرات، عربات مصفّحة. فالجيش النظامي له عادة تنظيم معيّن، وتسليح معيّن، كما عقيدة عسكريّة قتاليّة. وهو معدّ أصلاً للدفاع عن حدود الوطن. لكن عند تدخلّه في قتال الداخل، يسقط كلّ شيء، ليصبح ميليشيا مثله مثل غيره من الميليشيات.

في المقابل، يرتكز تدريب قوات الدعم السريع على الحركيّة، مع أسلحة خفيفة وثقيلة نسبيّاً، وتجنّب القتال في المعارك الفاصلة والحاسمة. من هنا اعتماد «قوات الدعم» على عنصر المفاجأة للسيطرة على بعض الأهداف الحيويّة.

> نمط قديم – جديد!

يقول المفكر إدوارد لوتواك، في كُتيّبه «الانقلاب» أو (Coup D’état)، ما معناه أن الانقلاب الناجح هو الذي يتّبع الآلية التالية…

• تطويق القصر الرئاسيّ، ووزارة الدفاع

• السيطرة على وزارة الإعلام

• السيطرة على المداخل البريّة والجويّة

• ومن ثمّ قراءة البيان رقم «1»

فكم مرّة عايشنا هذه الآلية في محيطنا؟

يدور نفس النمط اليوم في الاشتباكات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع. فالقتال يدور حول القصر الجمهوري، وحول القيادة العسكريّة العليا في الخرطوم، وحول المطار الدوليّ. كما يدور في محافظة أم درمان للسيطرة على مبنى الإذاعة.

في مكان آخر، تسعى قوات الدعم السريع إلى تحييد قوى الجو التابعة للجيش السوداني، لأنها تعتبر مركز ثقل مهماً جداً للحسم العسكريّ. وإلا ما معنى القتال العنيف الذي دار ويدور حول أهم قاعدة جويّة في السودان، قاعدة «مروي»؟

على كلّ، مع الوقت قد يسيطر الجيش السوداني على هذه الأهداف، لكن النصر والحسم النهائي ليسا مؤمّنين، وقد ينتقل القتال إلى أقاليم أخرى، وهنا قد تتحوّل الحرب إلى أهليّة مناطقيّة.

– ماذا يجب أن نراقب؟

من يسيطر على القواعد العسكريّة، خاصة الجويّة (أهمّها 7 قواعد)، من يسيطر على الحركيّة والطرقات، وطولها في السودان يبلغ 31 ألف كيلومتر، مع سكك حديد تقارب 5 آلاف كيلومتر، من يسيطر على مناطق الثروات، وأخيراً وليس آخراً، هل سيتدخّل الخارج؟ ولصالح من؟ وهنا الكارثة الكبرى، لأن التدخّل الخارجي يطيل عادة أمد الحروب الأهليّة، والثمن يكون دائماً على حساب الأبرياء.

الشرق الاوسط