“صفقة الرئاسة” بشروط “حزب الله”… وفرنسا لم تتخل عن فرنجية؟
على عكس ما يُشاع من أجواء إيجابية حول انعكاسات التقارب الإقليمي على لبنان، تذهب الأمور إلى مزيد من التعقيد بفعل الاستعصاءات الداخلية أمام التسوية وصوغ حلول لإنجاز الاستحقاقات المعلقة خصوصاً الرئاسية، وبقاء الملف اللبناني خارج الأولويات لدى الدول المعنية بالمنطقة. المؤشرات تدل على أن ملفات أخرى تتقدم وتركز عليها الدول إن كان في الاتفاق الإيراني- السعودي أو من خلال الانفتاح العربي على دمشق، أو خصوصاً لدى الولايات المتحدة الأميركية. حتى دول باريس الخمس التي تسربت معلومات عن إمكان عقد اجتماع لها بعد عيد الفطر ليس محسوماً طالما أن اجتماع ممثليها في باريس في 6 شباط الماضي لم يتمكن من الاتفاق على نقاط مشتركة لتوفير تغطية إقليمية ودولية للحل في لبنان أو أقله انجاز الاستحقاقات الدستورية.
لا يزال لبنان ينتظر تداعيات الاتفاق السعودي- الإيراني، الذي تُطبق بنوده سريعاً في غير مكان خصوصاً في اليمن، فيما الحركة العربية إلى دمشق تأخذ مساراً مختلفاً عن السابق، على الرغم من عدم حسم عودة النظام السوري إلى الجامعة العربية، لكن هذا الانتظار يبدو أنه سيطول إلى أن تختمر الوجهة العربية والاقليمية لإنجاز تسوية أو صفقة بات يُحكى عنها في كواليس طاولات المفاوضات، وتنضج معها خطة متكاملة وفق موازين القوى القائمة. وعلى هذا تبدو المراوحة في الوضع اللبناني انعكاساً لانخفاض منسوب الاهتمام الدولي بلبنان حيث يستمر التعطيل الداخلي للاستحقاق الرئاسي مع الفراغ الذي تهوي معه المؤسسات واحدة تلو الأخرى، في غياب أي مقومات للتسوية.
يتضح من خلال المعطيات أن انجاز الاستحقاقات اللبنانية لا يكتمل من دون توافق دولي وعربي خصوصاً بين دول باريس الخمس. لكن المعضلة الاساسية تبقى قي الموقف الإيراني الذي يعتبر لبنان ساحة نفوذ عبر قوة “حزب الله” ودوره الإقليمي، وبالتالي لا يتنازل بخلاف ما يجري في ملفات أخرى. المشكلة ان الاختلاف في المقاربات يُظهر أن الملف اللبناني هو الأصعب، وهو ليس مشابهاً لليمن الذي يتقدم خطوات مهمة في التسوية انطلاقاً من الاتفاق السعودي- الإيراني.
تشير المعلومات إلى أن لا بحث جدياً في الشأن الرئاسي اللبناني، باستثناء الحركة الفرنسية التي خفتت بعد الرفض السعودي لاقتراح المقايضة، والرفض الداخلي اللبناني خصوصاً المسيحي لسليمان فرنجية رئيساً. لكن باريس لم تعلن رسمياً التخلي عن المقايضة أو مشروعها على الرغم من الجولات التي قامت بها السفيرة الفرنسية في بيروت آن غريو على القيادات المسيحية واعتبارها وفق ما نقل عن أجواء الاجتماعات أن ترشيح فرنجية هو أحد خيارات فرنسا للخروج من الأزمة. وعليه لا يبدو أن باريس هي بصدد طرح مقاربة جديدة، ولم يعد في إمكانها طرح مبادرات تتعارض مع وجهتها السياسية في المنطقة ولبنان وحساباتها اقتصادياً ومالياً، فهي تستنفد كل أوراقها، لذا لم تقدم غريو خلال لقاءاتها ما يتناقض مع ما أعلن خلال زيارة فرنجية الأخيرة لباريس.
بالنسبة إلى باريس، لا يزال انتخاب فرنجية ممكناً وليس مستحيلاً، وهي وفق المعلومات تواصل مساعيها في هذا الشأن، في غياب مرشح آخر يحظى بدعم “حزب الله”، لذا تعمل على إقناع المكوّن السني للسير في هذا الخيار، وانتزاع موافقة سعودية للتغطية العربية. وما يدعّم هذه الوجهة أن دول باريس لم تتبن اسم اي مرشح، حتى الموفد القطري محمد الخليفي الذي زار لبنان أخيراً والمتوقع عودته إلى بيروت قريباً لم يعلن تبني قطر لاي مرشح، وهو ما يعني بقاء فرنجية المدعوم من محور الممانعة مرشحاً للتفاوض على حل للأزمة اللبنانية. لذا يبدو أن الجميع ينتظرون تداعيات الاتفاق السعودي- الإيراني، على الرغم من أنه لم يظهر أن هناك بحثاً جاداً حول لبنان، ولا ملامح لوجود مشروع معين للوصول الى حل شامل أو حتى تسوية مرحلية تمكن لبنان من انجاز الاستحقاقات.
ويبدو أن ترحيل البحث في الملف اللبناني هو لتجنب الاصطدام الذي يمكن أن يؤثر على ملفات الحل في دول أخرى. وقد تبين من خلال وتيرة التطورات المتسارعة في العلاقات بين السعودية وإيران أن لبنان ليس الملف الثاني بعد اليمن، بل تقدم الوضع السوري عليه، وهو أمر تمكن الإيرانيون من دفعه إلى الامام في تطوير الانفتاح السعودي على دمشق من دون أن تكون السيطرة الإيرانية موضوعأ للبحث. وكان لافتاً في البيان الختامي السعودي والسوري لوزيري خارجية البلدين عدم الاشارة إلى تطبيق القرار 2254، الذي يتحدث عن انتقال سياسي للسلطة. وهذا يعني أنه في الاتفاق وفق مصادر دبلوماسية أن سوريا هي الملف الثاني لكنه مقابل اليمن. إلا أن للموقف السعودي اعتبارات أخرى تنطلق من السعي لتخفيف التوتر، وليس الانفتاح السياسي الكامل على دمشق.
في الشأن اللبناني لا تزال السعودية على موقفها الذي أبلغته للفرنسيين حول المقايضة واصراراها على مواصفات معينة للرئيس من خارج الاصطفافات اللبنانية. لكن موقف الرياض لم يتحول الى رافعة سياسية يمكن الارتكاز عليه، علماً أنها تصر في سياق عودة العلاقات مع سوريا على ضبط الحدود مع لبنان ووقف التهريب، وهو ما يطال “حزب الله” تحديداً. وفي ما يبدو أن الامور قد تذهب لمصلحة قوى الممانعة، أن “حزب الله” وحلفاءه يروجون وفق مراهناتهم على أن السعودية لن تستمر بموجب الاتفاق الإيراني- السعودي على شروطها حول الرئاسة والتي لا تزال تعوّق انتخاب فرنجية، انما ستستجيب لهذه الوجهة انطلاقاً من تسوية شاملة، خصوصاً وأن السعودية انفتحت على النظام في سوريا ولم تضع المعارضة ضمن حساباتها، فكيف في لبنان حيث تختل موازين القوى لصالح فائض قوة “حزب الله”؟
ثمة من ينتظر الكلمة الأخيرة للولايات المتحدة الأميركية المشغولة بملفات أخرى، لكن اي حل في لبنان لن يكون بمعزل عن الموافقة الاميركية، على الرغم من وتيرة تقدم العلاقات الإيرانية- السعودية، إلا أن المخاوف بدأت تظهر من احتمال انضاج وجهة عبر اختمار صفقة على قاعدة المحاصصة، اي توزيع المناصب على القوى الأساسية، تكون فيها حصة الاسد لقوى الممانعة أي “رئاسة الجمهورية” فيما يتم إرضاء القوى الاخرى المعترضة بمنصبي قيادة الجيش وحاكمية مصرف لبنان، وهو ما يعني انقاذ الطبقة السياسية وترسيخ معادلة الأمر الواقع التي أودت بلبنان إلى الهاوية. وفي حال تبلورت وجهة خارجية للحل اللبناني على هذه القاعدة، فإنها تحتاج إلى أشهر لتطبيقها، لكن حتى الآن توحي التطورات بأن الأزمة قد تطول وتُغرق لبنان بمزيد من النكبات.
ابراهيم حيدر- النهار