محور باريس – حارة حريك: رئاسة البرلمان لنا ورئاستا الجمهوريّة والحكومة لنا ولكم
لم يحالف الحظّ محور باريس – حارة حريك في تسويق فكرة الاتفاق في وقت واحد على زعيم “المردة” سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية والسفير السابق نواف سلام رئيساً للحكومة الأولى في العهد الجديد.
لا يعني فشل الفكرة سحبها من التداول نهائياً، بل طرأ عليها تعديل جزئي يصار وفقاً له إلى استبدال اسم السفير سلام باسم شخصية سنّيّة أخرى لعلّ وعسى تحظى بالقبول، ليس في لبنان، وإنّما أيضاً في المملكة العربية السعودية باعتبارها مرجعية السُّنّة في هذا البلد وخارجه على السواء.
عندما ابتسمت دار المصيطبة
عندما بدأت هذه الفكرة تشقّ طريقها إلى التداول مفتتحةً التجارب بثنائي فرنجية – سلام، كان الأخير في بيروت، بداية آذار الماضي، يلقي محاضرة من منبر “المقاصد” الثقافي بعنوان “الطائف في النص والممارسة: أين الخلل؟”. يومها أكّد علمه بما سُمّي “صفقة المقايضة”، مؤكّداً أنّ علمه بها لا يعني موافقته عليها.
مَن طرح الفكرة، سواء في الإليزيه أو في حارة حريك، لم يتأخّر في طرح الرئيس تمام سلام بدلاً من ابن عمّه السفير، ظنّاً من صاحب الفكرة أنّ رفع مستوى مرشّح هذا البيت السياسي العريق قد يؤدّي إلى فتح الباب أمام مناقشة “الصفقة”. لكنّ دار المصيطبة ابتسمت ولم تعِر ما وصفته بـ”الدعابة” أيّ اهتمام.
لم ييأس مطبخ الإليزيه والضاحية من المضيّ قدماً، فطرح قبل أيام في بورصة التداول اسم شخصية سنّيّة معروفة حين سئلت عن رأيها في الأمر نفت علمها به إطلاقاً، مشترطة مسبقاً ألّا يتمّ ذكر اسمها إذا ما تقرّر الحديث عنها. وما قالته هذه الشخصية: “إنّهم يضيعون وقت اللبنانيين في اللجوء إلى أسلوب المقايضة هذا لتسويغ وصول فرنجية إلى قصر بعبدا”.
لماذا هذه المثابرة؟
لماذا هذه المثابرة من المحور الفرنسيّ – الضاحويّ على المضيّ في طريق غير معبّدة توصّلاً إلى تحقيق هدف لا يبدو أنّه سهل المنال؟
لو وضعنا الرئيس ماكرون وسياسته اللبنانية اليوم التي جعلته بعيداً من الدور التاريخي لفرنسا الأمّ الحنون للمسيحيين عموماً والموارنة خصوصاً، لتبيّن أنّ الشيعية اللبنانية السياسية عموماً، وحزب الله خصوصاً، يلعبان دوراً هو الأول من نوعه في تاريخ لبنان منذ عام 1920. ولا يتأخّر كثيرون في الوسط الشيعي في تبرير هذا الدور بـ”ميزان القوى” الذي تتمتّع به هذه الطائفة منذ بدء التحوّلات في لبنان عام 1975 ودخول هذا البلد في فلك الوصاية السورية ولاحقاً الوصاية الإيرانية.
في السابق كان يأتي رئيس مجلس النواب من خلفيّة إقطاعية أو عشائرية كحال الرئيسين السابقين كامل الأسعد وصبري حمادة، ثمّ حلّت خلفيّة أخرى تجلّت في نشوء زعامة دينية وافدة من إيران تمثّلت بالإمام موسى الصدر الذي أسّس حركة أمل التي اتّكأ من خلفه في رئاستها على النظام العلوي السوري بقيادة حافظ الأسد، وهو ما أدّى إلى صعود السيد حسين الحسيني إلى رأس الهرم في طائفته ممهّداً لصعود مماثل للمحامي نبيه برّي ذي الخلفيّة البعثية السورية المعطوفة على مبادئ حركة “أمل” التي أسّسها الإمام الصدر.
يمكن القول مجدّداً إنّ من المفهوم أن تحظى الطائفة الشيعية وسائر الطوائف بلبنان بزعامة قوية ممثّلة لقواعدها كما الحال عبر تاريخها منذ زمن السلطنة العثمانية ومشروع الدولة العربية بقيادة الملك فيصل الأول قبل أن يستتبّ الأمر للانتداب الفرنسي بعد الحرب العالمية الأولى. لكن أن تصل طائفة، هي الطائفة الشيعية اليوم، إلى الإمساك بزمام أمرها وأمر سائر الطوائف، فهذا هو الحدث الآن.
الكيان المهزوز
بالعودة إلى السفير سلام، ورد في محاضرته المقاصدية: “بينما كانت كفّة ميزان الصلاحيات بين السلطتين التنفيذية والاشتراعية تميل في مرحلة ما قبل اتفاق الطائف إلى السلطة التنفيذية، انقلبت مع اتفاق الطائف إلى السلطة الاشتراعية بدل أن يقيم توازناً بينهما. والتوازن المقصود هنا هو من المبادئ الدستورية الأساسية في الأنظمة البرلمانية حيث إنّ مسؤولية الحكومة تجاه البرلمان وقدرة الأخير على إسقاطها بحجب الثقة عنها إنّما تقابلهما قدرة الحكومة على حلّ البرلمان”.
لم يعد مهمّاً، على ما يبدو، القول إنّ الرئيس برّي أو حزب الله يقف وراء هذا النفوذ الذي تتمتّع به هذه الطائفة الرئيسية في المكوّن اللبناني. فلو استبدلنا اسم من يتزعّم “حركة أمل” أو “حزب الله” حالياً باسم آخر لاحقاً، فليس متوقّعاً أن تعود عقارب الساعة إلى الوراء قبل انقلاب التوازنات في “الكيان المهزوز”، على حدّ تعبير الوزير السابق محسن دلول. إنّه “ميزان قوى” يجب أن يخضع للتوازنات التي جعلت لبنان بلداً مستقرّاً في مراحل سابقة قبل أن تعصف به التغييرات المخلخلة لأسسه، كما هو الحال اليوم.
جاء في مقال حمل عنوان “ما لنا ولكم… هو للوطن!”، كتبه وهيب فياض في 24 حزيران 2018 في صحيفة “الأنباء” التابعة للحزب التقدّمي الاشتراكي، ما يلي: “عندما أطلق كمال جنبلاط مصطلح المارونية السياسية على المتحكّمين بدولة ما قبل الطائف، لم يكن هذا المصطلح مصطلحاً طائفياً… وفي حمأة الصراع اللبناني عبّر المغفور له المرحوم الرئيس كميل شمعون أحسن تعبير عن هذه المعادلة، عندما قال: “ما لنا لنا، وما لكم لنا ولكم”، وكأنّه يطرح حلّاً يتنازل فيه عن “ما لكم لنا” ليصبح “ما لكم لنا ولكم”، معتبراً ذلك تنازلاً كبيراً وكفيلاً بإنهاء الصراع والحرب اللبنانية. هذه كانت حدود تنازلات المارونية السياسية قبل الطائف، وفحواها أن يكون رئيس مجلس النواب انعكاساً وتجسيداً للمارونية السياسية، ورئيس مجلس الوزراء باش كاتب لدى النظام كما كان يصفه السُّنّة الممتعضون”.
هل يعيد التاريخ نفسه مع الشيعية السياسية؟
احمد عياش- اساس