المسألة اكثر تعقيداً: ايران ستعرقل الانفتاح العربي على الأسد !
أتى اجتماع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي زائداً مصر، العراق والأردن الذي عقد في جدة مساء يوم الجمعة الفائت وتناول موضوع الانفتاح والتطبيع العربيين مع النظام النظام السوري ليؤكد على أن المسألة اكثر تعقيداً مما اعتقد العديد من المسؤولين، والمراقبين وحتى المقربين من النظام في دمشق.
فالبيان الذي صدر في اعقاب الاجتماع لم يبتعد كثيراً عن مضمون البيان الذي صدر قبلها بيومين بنهاية اجتماع وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان مع وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، الذي تمت صياغته على شكل مضبطة اتهام ومطالب سعودية -عربية من النظام في سياق فتح مسارات العلاقات ومحاولة إعادتها الى طبيعتها. استعاد البيان الذي صدر ليل الجمعة روحية البيان الأول، لا سيما ان عدداً من الدول المشاركة فيه اعتبرت انها لم تلمس أي تغيير في سلوك النظام، أو في عدم احترامه لتعهداته. كما ان بعض المشاركين اعتبروا أن الانفتاح على بشار الأسد، إن لم يتزامن مع بدء تلبية النظام لشروط انهاء الازمة السورية وتداعياها بشكل شامل وفق مسار سياسي، وامني، وانساني معناه أن دمشق ستبقى مصدر مشاكل وأزمات للمحيط أكثر مما ستخفف منها. وقد كان موضوع النفوذ الإيراني في سوريا مدار حديث، حيث ان البعض يعتبران الانفتاح على بشار مؤداه التخفيف من قبضة ايران على النظام، ومنحه نافذة للتحرر منها، وإن بشكل جزئي. ومع ذلك، قدم طرح وجيه عما اذا كان النظام قادراً فعلاً على التحرر من نفوذ ايران، او حتى راغباً في ذلك. فقد عجزت موسكو في حمله على الانفتاح على تركيا، لان طهران وقفت سداً منيعاً بوجهه، وكسرت توجه موسكو في تحقيق الانفتاح التركي على دمشق لانها ترفض ان يتوسع نفوذ انقرة في سوريا في وقت تمكنت من توسيع رقعة نفوذها على سوريا منذ أن تراجع حضور موسكو بسبب تداعيات الحرب في أوكرانيا.
أكثر من ذلك طرحت قضية اللجوء السوري وكيفية إيجاد حل سريع للموجودين في الأردن ولبنان، ولم تكن ثمة إجابات صريحة تؤكد أن النظام وإيران خلفه مستعد لاعادة بضعة ملايين من السوريين الى أراضيهم في ظل تفاقم مشروع التغيير الديموغرافي الذي ينفذ مع الإيرانيين على الأرض. فهل من ضمانات من نظام الأسد لحل ازمة اللاجئين؟
على صعيد آخر، كان ثمة سؤال عما آل اليه القرار 2254 حول المسار السياسي لحل أزمة سوريا؟ فهل الانفتاح يعني التخلي نهائياً عن حل سياسي لمصلحة حل يبقي الازمة مفتوحة الى أبد الابدين وفق رؤية تعتبر أن الانتصار العسكري هو وحده معيار الحل السياسي. لا سيما ان ما سبق أن قاله مسؤولون من دمشق إن كل حديث عن حل شامل للازمة السياسية، ولقضايا تتعلق بكيفية إدارة الحل في البلاد هو شأن سيادي بحت لا علاقة لاي دولة خارجية عربية كانت أم اجنبية به. حتى موضوع الميلشيات والقوى الأجنبية على الأرض في سوريا معتبرة استناداً الى هذا المنطق قضايا سيادية. فالحديث عن المليشيات المذهبية الإيرانية المنتشرة في سوريا كما عن النفوذ الإيراني نفسه عبر “فيلق القدس” خارج أي بحث. اذن ما هي قواعد الانفتاح والتطبيع مع دمشق التي يقال إنها لن تمس بتصنيع المخدرات وتهريبها لانها تشكل أحد مصادر دخل النظام وماكينته الأمنية.
لقد كان اجتماع جدة مناسبة لطرح العديد من القضايا الدقيقة المرتبطة بوضع نظام الأسد وظهر خلالها أن بعض الدول التي سارعت الى الانفتاح على الأسد قبل زلزال 6 شباط (فبراير) الماضي وبعده مثل الأردن، أبدت خيبتها من عدم تجاوب الأخير مع مطالبها المتعلقة بحماية امنها القومي على الحدود.
يقيننا ان قضية سوريا طويلة، ومسار الانفتاح الذي تميل اليه العديد من الدول لا يزال غير كاف من أجل ان تصبح سوريا دولة مسؤولة وسط جيرانها، وخصوصاً أن الحل السياسي غائب تماماً عن تفكير الأسد وإن بحدوده الدنيا. فكيف يؤمل بالاستقرار في ساحة مفتوحة على خمسة احتلالات متعايشة على نفس الأرض وعشرة ملايين لاجئ مرميين خارج بلادهم من دون أي افق لانهاء معاناتهم؟ ان الطريق لا تزال طويلة جداً.
علي حماده- النهار العربي