«أسلحة خفيفة» في البيوت اللبنانية … تباع اليوم بالدولارات الطازجة!
من قصص الحرب اللبنانية (13 أبريل 1975 – 13 أكتوبر 1990) جانب لم يسلط الضوء عليه كثيرا، يتعلق بتعاطي الأفراد مع الحرب وحملهم السلاح، من دون انخراطهم في الميليشيات التي تقاسمت لاحقا السيطرة جغرافيا على أرجاء الوطن الصغير، الذي عرف قبل الحرب الأهلية بـ«سويسرا الشرق».
حمل أفراد في مناطق لبنانية متعددة السلاح الخفيف، وغالبيتهم أخرج البنادق المخبأة والموروثة عن الوالد والجد، من حقبات لبنانية لم يغب عنها التوتر: في العد التنازلي للاستقلال عن الانتداب الفرنسي، وأحداث 1958 ضد حكم الرئيس كميل شمعون، الى حوادث متفرقة في مناطق لبنانية عدة، بينها حادثة مزيارة في شمال لبنان في يونيو 1958 وغيرها من حوادث وقعت لاحقا في قضاء الشوف.
وقد أقبل البعض على شراء السلاح الخفيف من بنادق ومسدسات، ليقف مع جيرانه في الأحياء لتوفير الحماية من «عدو» بقي مجهولا، ومن الفلسطينيين في بداية الحرب الأهلية.
وكذلك حماية الشواطئ على طول الساحل اللبناني، مهام عهد بها بداية الى متطوعين من أبناء السواحل من مختلف الأعمار، حملوا الأسلحة الخفيفة وسهروا على ضوء القمر أو النور من «بوابير الكاز»، منعا لتسلل لم يحصل فعليا، بسبب عدم القدرة أو الرغبة في الاختراق من كل الأفرقاء، الذين سارعوا الى تثبيت «الخطوط الحمر».
ومنهم من حمل بنادق السمينوف الروسية والمعدلة الإنجليزية والماوزر الالمانية بعدما اشتراها من تجار أسلحة لهم باع في تخزين السلاح الخفيف. ونشط «تجاز الأزمات» لتحقيق ربح مادي، قبل ان تؤول الأمور بالكامل الى الميليشيات التي أشرفت على عمليات البيع ومنح التراخيص لحاملي الأسلحة من مناصريها والمقربين.
بـ 50 ليرة لبنانية الى 200 ليرة، كان يمكن اقتناء بنادق مع جعب ممتلئة بطلقات الرصاص.
أسلحة لم تستعمل، لكنها حلت محل «السلاح الأبيض»، وخبئت لاحقا بعناية في البيوت، وبقي قسم منها حتى أيامنا هذه، فيما باع من تقدم به العمر قطعا عدة تفاديا للعوز.
«من اقتنى بنادق قديمة أو مسدسات بلجيكية (هرستال) من طراز (ابوضفر) وحافظ عليها، كسب أموالا كثيرة وبالعملة الصعبة في أيامنا هذه»، بحسب عبود (اسم مستعار) الناشط في تجارة الأسلحة الخفيفة. ويسهب في الشرح عن ان «السلاح القديم من نوعية جيدة له زبائنه، وهؤلاء يعرفون قيمته ولا يساومون على السعر. ويتخطى سعر مسدس الـ 14 من طراز «ابوضفر» وعمره أكثر من خمسين عاما 3500 دولار أميركي. فيما يتراوح سعر السمينوف الروسية (اذا توافرت، بعد انتشار البندقية المصنعة في الصين) بين 600 دولار و800 دولار».
هذه الاسلحة لأفراد لم ينغمسوا في الأعمال الحربية، ويمكن القول إنهم واكبوا «موجة الحرب والتفلت»، ولم يدركوا أن الأمور كانت أكبر من ان تحسمها بنادقهم ومسدساتهم.
48 سنة على ذلك الأحد الواقع فيه 13 أبريل 1975. لم يتبدل الكثير في الشارع قرب كنيسة سيدة الخلاص في عين الرمانة، حيث لايزال السكان يتحدثون عن «الضفة المقابلة» في الشياح (الجانب الآخر من الخط الأخضر الذي شطر بيروت).
جويل رياشي- الانباء