مطار القليعات: المعركة فُتحت!
منذ أسابيع فشلت السلطة السياسية مجتمعة في تمرير “صفقة” توسيع المطار في بيروت.
كانت مواجهة شرسة، ومعركة وضعت وزير الأشغال العامّة علي حميّة وحزبه تحت سيف المسؤولية عن مشروع “مشبوه”، ليس فقط من الناحية المالية، بل في السياسة والأمن على حدّ سواء… وفوراً عادت الأصوات المطالبة بـ”مطار آخر” في منطقة خارج سيطرة الحزب وبيئته.
هذا “الخطاب” حول المطارات في لبنان ليس جديداً. عمره من عمر الحروب الأهلية اللبنانية، بل هو سابق على إنشاء لبنان نفسه. فمطار القليعات مدنيّ – عسكري، أنشأه “الحلفاء” في عام 1941، قبل عامين من استقلال لبنان، خلال الحرب العالمية الثانية. أنشأوه على الشاطئ الشمالي. وبعد الاستقلال أشرف عليه الجيش اللبناني.
في الستّينيّات تمّت توسعته وتطوير قدراته التكنولوجية. لكن أتت الحرب في السبعينيّات لتدمّر أجزاء منه وتخرجه من الخدمة.
منذ انتهاء الحرب تعلو بين الحين والآخر أصوات سياسية وطائفية تدعو إلى إنشاء مطارات عدّة في مناطق مختلفة. كانت الدوافع طائفية حيناً، ووطنية أحياناً.
لكن في العقدين الأخيرين، خصوصاً بعد 7 أيار 2008، بات واضحاً أنّ مطار رفيق الحريري الدولي “ساقط عسكرياً”، لأنّه يقع في منطقة خاضعة لبيئة الحزب ونفوذه و”هيمنة سلاح غير سلاح الدولة”. وكان هذا سبباً إضافياً لتعلو أصوات جديدة. وسلكت الأمور منحىً طائفياً أكثر وأكثر.
“الاعتدال الوطنيّ” ومعركة “القليعات”
الجديد هو اقتراب الحلّ السياسي في سوريا، أو على الأقلّ تنتشر أخبار عن عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية. سيترافق هذا بالطبع مع الانفتاح على دمشق، والبدء بمشاريع إعادة إعمارها، ضمن مسار سياسي يعيدها إلى الحضن العربي.
هكذا لم تعُد الأسباب سياسية وطائفية. وبات مطلب إنشاء، أو ترميم، مطار القليعات، “طبيعياً”، بسبب قرب المطار من سوريا (6 كيلومترات فقط)، وبسبب قدرته على أن يكون أحد “مطارات إعادة الإعمار”.
سيكون هذا العامل المستجدّ حاسماً في توجّه مجموعة من النواب إلى افتتاح معركة سياسية تطالب بإعادة العمل في مطار القليعات وتطويره.
في معلومات “أساس” أنّ نواب تكتّل الاعتدال الوطني سيخوضون في الأيّام المقبلة مواجهةً عنوانها: مطار رينيه معوض. فهم يعتبرون أنّ تفعيل هذا المطار هو مطلب بالغ الأهمية من حيث تأثيره الإيجابي على منطقة عكّار المنكوبة بفعل تناسي الدولة له.
يراهن هؤلاء النوّاب على تحويل هذا المطار إلى مرفق حيوي ينعش كلّ المنطقة ويعيدها إلى الخريطة اللبنانية من بوّابة قربها من سوريا وحاجة الشمال اللبناني إليها.
هادي حبيش والهيئة العامّة للطيران المدنيّ
يقول أمين سرّ الاعتدال الوطني النائب السابق هادي حبيش لـ”أساس” إنّ “هذا المطلب يتمّ العمل عليه منذ عام 2005. ولطالما كان يصطدم بعدم تعيين “الهيئة العامّة للطيران المدني”. وأساس شرط تعيينها أنّها هي المخوّلة أن تعطي موافقتها على إنشاء مطار آخر في لبنان”.
يتابع حبيش كلامه قائلاً: “منذ عام 2000 استحال إجراء التعيين في هذه الهيئة بسبب عدم الاتفاق على طائفة رئيسها، ولذا لا إمكانية لإعطاء موافقة على إعادة مطار القليعات إلى الحياة. بسبب ذلك نحن نطالب بأن يكون مطار رينيه معوّض تابعاً لمطار بيروت، ليصبح من الممكن إعادة العمل به”.
ويسأل حبيش: “بعدما وُجد مستثمر لإعادة توسيع مطار بيروت لِمَ لا يتمّ العمل على توسيع وتطوير مطار القليعات؟”. ويضيف: “هذه الصيغة مخرج مؤقّت بانتظار تأليف الهيئة العامة وتحويله إلى مطار مستقلّ لاحقاً”. لكنّ مصدراً في وزارة الأشغال قال لـ”أساس” إنّ تطوير مطار القليعات “يحتاج إلى أموال أكثر ممّا تتطلّبه توسعة مطار بيروت”.
يتحدّث حبيش عن المطار باعتباره حاجةً لعكار لا عنواناً طائفياً للتجاذب بين القوى السياسية، ويكشف أنّ “تكتل الاعتدال الوطني” بدأ السير في هذا الاتجاه، وبالفعل عرض رئيس لجنة الأشغال النيابية النائب سجيع عطية هذا الاقتراح أكثر من مرّة.
ما هي الهيئة العامّة للطيران المدنيّ؟
في 12 كانون الأول 2002 صدر القانون رقم 481، الذي قضى بإنشاء الهيئة العامة للطيران المدني، التي هي هيئة مستقلّة لها مثيلات في كلّ بلدان العالم، ومن شأنها وصلاحيّاتها أن تطوِّر قطاع الطيران.
في محطّات سابقة طالب الاتحاد الأوروبي بإنشاء هيئة عامة للطيران المدني ذات صلاحيات يتمّ التعاطي معها مباشرة وتقوم بالتطوير المطلوب على غرار كلّ دول العالم. إلا أنّ ذلك لم يحصل حتى يومنا هذا تحت أكثر من حجّة، أبرزها طائفة رئيسها وأعضائها وأسباب أخرى سياسية.
في الأيام المقبلة سنشهد ارتفاع أسهم قضية جديدة في ساحة الجدل السياسي: مطار القليعات.
فهل ينجح نوّاب عكار في تحقيق ما عجزت قوى كثيرة عن تحقيقه خلال 30 عاماً؟
جوزفين حبيش- اساس