انتخاب الرئيس في حزيران المقبل وإلّا…
من الواضح أنّ التهدئة وفكّ الإشتباك السياسي والأمني في المنطقة، لا بدّ وأن ينعكسا بشكل إيجابي على لبنان من خلال انتخاب رئيس الجمهورية المقبل. ويُعوّل اليوم على عودة الموفد القطري وزير الدولة في وزارة الخارجية محمد بن عبد العزيز الخليفي بعد عيد الفطر الى لبنان، لاستكمال محادثاته مع المسؤولين اللبنانيين المتعلّقة أوّلاً بالتوافق على انتخاب الرئيس. على أنّ المبادرة القطرية الحالية تختلف عن «اتفاق الدوحة»، ولن تكون جولات الموفد القطري الحالية تحضيراً لـ «اتفاق الدوحة 2»، أو نسخة عن «اتفاق الدوحة»، إنّما تتعلّق فقط بإعطاء الأولوية لانتخاب الرئيس، عسى أن تؤدّي الى طرح حلّ يُرضي جميع الأطراف.
والمسعى القطري سيُستكمل قبل الإجتماع الخماسي المرتقب قبل القمة العربية التي تُعقد في 19 أيّار المقبل، على ما أكّدت مصادر سياسية متابعة، توصّلاً الى اقتراح ورقة سياسية. فالدول الخمس التي تجتمع في باريس تعمل، وإن بشكل متفاوت، على إيجاد حلّ للأزمة اللبنانية كونها تدرك صعوبة الوضع الداخلي الذي وصل إليه البلد، وحجم الإنهيار والواقع السياسي والإجتماعي فيه. فضلاً عن إدراكها أنّ المسؤولين لا يقومون بأي جهد للتفتيش عن حلّ لأزمة بلادهم، بل ينتظرون أن يهبط عليهم بالباراشوت من الخارج، علماً بأنّ بعضها متقدّم أكثر من سواه في اهتمامه بلبنان.
كما أنّ هذه الدول المعنية بالوضع الداخلي اللبناني، لسبب أو لآخر، أي كلّ من أميركا وفرنسا والسعودية وقطر ومصر، تعلم بأنّ المسؤولين اللبنانيين لا زالوا حتى الآن يُفكّرون بمصالحهم الشخصية وليس بمصلحة الوطن العليا، رغم كلّ ما آل إليه الوضع في لبنان من انهيار على مختلف الأصعدة، ما أدّى الى هجرة عدد كبير من اللبنانيين الى الخارج لتحصيل العلم أو لكسب لقمة العيش. لِذا تقوم هذه الدول بوضع اقتراح شامل للحلّ يبدأ بانتخاب رئيس الجمهورية في أسرع وقت ممكن، على ألّا يتعدّى الشغور الرئاسي الحالي شهر حزيران المقبل. ومن ثمّ يتمّ تشكيل الحكومة في مهلة زمنية قصيرة، على أن تقوم بخطة تعافٍ إقتصادية شاملة تُعيد للبلد حياته الطبيعية.
وإذ ذكرت الخزانة الأميركية بأنّ العقوبات الأميركية الأخيرة التي فرضتها على شخصيات نافذة أو رجال أعمال لبنانيين، وآخرها على الأخوين ريمون وتيدي رحمة، مرتبطة بواقع داخلي بحت، نافية وجود أي «رسالة سياسية» وراء هذه العقوبات المستمرّة والتي لن تكون الأخيرة، أشارت المصادر نفسها الى أنّ «لها أبعاداً سياسية، عكس ما قيل لدى اتخاذ القرار بشأنها». فليس من باب الصدفة أن تتزامن مع الطرح الفرنسي في اتجاه المقايضة، بعد أن تكون الملفات في عهدة الخزانة الأميركية منذ أكثر من سنة. فضلاً عن الكلام الأميركي عن رفض الالتفاف على الإتفاق الخماسي من الجانب الفرنسي، سيما وأنّها تستهدف أفرقاء سياسيين مرشّحين على رئاسة الجمهورية.
من هنا، لا يُمكن فصل العقوبات بعمقها عن الملف اللبناني، وكذلك السوري، على ما لفتت المصادر، على أنّه سيكون في مرحلة لاحقة عقوبات أميركية جديدة مرتبطة بالواقع السياسي وبالأطراف السياسية في لبنان. الأمر الذي يؤكّد على أنّ الملف الرئاسي هو رهن التوافقات الخارجية، وأنّه لا يُمكن الإلتفاف عليها لا داخلياً ولا من قبل بعض الدول الخارجية. علماً بأنّ الإدارة الأميركية غالباً ما تستخدم ورقة العقوبات لكي تؤثّر، بطريقة أو بأخرى، على المسار الذي لا يحوز على مقترحاتها ومصالحها في المنطقة.
وتحدّثت المصادر عينها عن أنّ التوافق الداخلي إذا حصل، يُمكن للبنان أن يذهب الى القمّة العربية برئيس جمهورية وليس برئيس حكومة تصريف أعمال. غير أنّه ليس من أي أفق لهذا التوافق حتى الساعة، رغم كلّ التحرّكات الخارجية تجاه لبنان، لا سيما من قبل دولة قطر. فالتعطيل يشلّ عمل المجلس، إن لعقد جلسات تشريعية من جهة، أو لانتخاب رئيس الجمهورية من جهة ثانية. فيما المطلوب حصول تفاهم وطني وإيجاد حلّ لموضوع مواصفات رئيس الجمهورية قبل الوصول الى تسمية إحدى الأسماء المطروحة للرئاسة.
أمّا إرجاء الإنتخابات البلدية والإختيارية المقرّرة في شهر أيّار المقبل والتي تبدأ في 7 منه في الشمال وعكّار، وفي 14 في جبل لبنان، لتنتهي في 21 منه في بيروت والبقاع وبعلبك، فتجده المصادر أمراً جيداً، لأنّ إجراء هذه الإنتخابات من شأنه تأخير المشاورات والمحادثات الداخلية حول إسم الرئيس المقبل، على ما أوضحت المصادر، سيما وأنّها تستلزم 3 أسابيع من هذا الشهر. فضلاً عن أنّ القمّة العربية ستُعقد في 19 منه في الرياض، وسيتمّ خلالها مناقشة الملف اللبناني في حال لم يكن قد انتُخب رئيس الجمهورية بعد، وهذا ما هو متوقّع. لِذا يُفضّل تأجيل هذه الإنتخابات، وليس التمديد للمجالس البلدية نفسها مرّة جديدة، الى ما بعد انتخاب الرئيس لكي تتلاءم مع المرحلة الجديدة المقبلة.
ونقلت المصادر عن الدول الخمس بأنّ انتخاب الرئيس يجب أن يحتلّ الأولوية حالياً لحلّ الأزمة اللبنانية، ومن ثمّ تأتي الإستحقاقات التالية رغم أهميتها. لِذا، ينتظر الكثيرون عودة الخليفي الذي قام في جولته الأولى باستطلاع آراء القوى السياسية واستمزج مواقفها، لكي يُقدّم في جولته الثانية المرتقبة ورقة سياسية قابلة للتوافق عليها، والتي على أساسها يُمكن للكتل النيابية الذهاب الى انتخاب رئيس الجمهورية في شهر حزيران المقبل، وإلّا فسيكون لبنان أمام مأزق استمرار الإنهيار والإنحدار، لا سمح الله، نحو الإرتطام الكبير… وعندها، فإنّ أي من الدول الخمس الى جانب إيران، قد لن يكون جاهزاً مرّة أخرى لمدّ يدّ المساعدة أو إيجاد فرصة جديدة ملائمة لحلّ الأزمة، خصوصاً وأنّ الأولوية لدى كلّ منها مصالحه الخاصّة في المرحلة المقبلة.
دوللي بشعلاني- الديار