تسوية رئاسية تطبخ على الطريقة القديمة: هل من مفاجآت قطرية بعد الفطر؟
حاول إعلام فريق الممانعة في لبنان الايحاء بأن زيارة الموفد القطري وزير الدولة في وزارة الخارجية محمد بن عبد العزيز الخليفي، إلى بيروت، وراءها مبادرة لتسوية رئاسية تطبخ على الطريقة القديمة، وأن الجولة التي قام بها على شخصيات سياسية كانت لاستكشاف آرائهم عن انتاج الرئيس واخراج لبنان من أزمته، ولكن تبين عدم وجود طرح لتسوية قطرية، وأن تعليقات الممانعين عن أن للقطريين وجهة نظر، تقوم على فتح نافذة بين المملكة العربية السعودية و”حزب الله”.
لكن هذا الكلام بدا غير واقعي لسببين، أن جولة الموفد القطري كانت للوقوف على موقف الفرقاء من الموضوع الرئاسي وأزمة لبنان الاقتصادية، وهي لا تتعارض مع توجه السعودية، بل تصب في خدمة إستراتيجية الموقف السعودي، لأن القطريين منفتحون على كل الأطراف في لبنان وقادرون على الجلوس والاستماع الى الجميع، وعلى عكس ما جرى الترويج له ليست مهمتهم فتح باب العبور الى رئاسة سليمان فرنجية الذي قضت المناكفة الأميركية – الفرنسية على حظوظه، وجاءت حرب الصواريخ لتثبت أن كل ما قيل عن ضمانات كلام في الهواء، ومن هنا فإن ما يحكى عن مبادرة قطرية غير صحيح، فلم يتحدث القطريون في تصريحاتهم عن هذا الموضوع، كما أن قطر هي جزء من خماسية باريس التي تعمل في اطار ايجاد مخرج للأزمة اللبنانية ككل.
وللتذكير، فإن المملكة العربية السعودية كانت واضحة بأن لا اتفاق دوحة جديد ولا ترميم له لأنها لا تريد تعطيل الرئاسة، كما أنه لا يمكنها المس بالطائف والقبول بصيغة الثلث الضامن لأي طرف، لأن هذه التجربة فشلت وأوصلت لبنان الى جهنم، ومن هنا، فان المملكة تتمسك بتنفيذ الطائف، وأحد الديبلوماسيين العرب في بيروت قال بما معناه في أحد التسريبات إن العرب سئموا من السياسيين اللبنانيين ومن وعودهم الكاذبة ولا نريد اعادة التجربة للوصول الى شيء لأنه مع اللبنانيين لا يمكن الوصول الى نتيجة.
وقد بيّنت معظم تصريحات السياسيين أن هناك تنسيقاً قطرياً – سعودياً، وأن قطر لم تتبنَّ أي اسم من المرشحين، وجل ما في الأمر أن القطريين يستطيعون التواصل مع الايرانيين، ومن هنا ليس من المستبعد أن تكون مهمة الموفد القطري ليس ما أعلن عنه حول الرئاسة، بل السر عبر الرسائل الى أرسلها الى “حزب الله”، بدعوته الى الخروج من سوريا بطريقة ما، وايجاد مخرج مشرّف له في الوقت نفسه، لا سيما بعد الاتفاق السعودي – الايراني، فهي فرصة لـ “حزب الله” يجب أن يستفيد منها، لحفظ ماء الوجه، لأن المطلوب من بشار الأسد من ضمن شروط احتضانه عربياً، اقفال خط الكبتاغون وممرات الحدود التي تستخدم للتهريب وهذا سيؤدي الى صدام فعلي مع “حزب الله” وسيضطر الى المواجهة اذا أراد الأسد انقاذ نظامه والانضواء في الحضن العربي.
إذاً، رسالة الموفد القطري في هذا المجال واضحة وطرحت للنقاش، وبالطبع هناك اسرائيل التي تستغل وجود الميليشيات الايرانية لضرب سوريا ومواقع الايرانيين، وقالها بنيامين نتنياهو: “اذا خرج الايراني جيد وإن لم يخرج فسنخرجه بالقوة”. وسيكون على سوريا القيام بترتيبات للحصول على الثقة عربياً، ولذلك لن يستطيع “حزب الله” فرض مرشحه بالقوة، على الرغم من سمسرات الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون للتراضي.
على الرغم مما تقدم، يعتبر بعض المحللين أن زيارة الموفد القطري حرّكت الملف الرئاسي وكانت منسقة مع المملكة ومع دول اللجنة الخماسية التي من المتوقع أن تتحول الى خمسة + 1 بانضمام ايران المتوقع، وأن الوزير الخليفي سيعود الى بيروت بعد عيد الفطر مبدئياً، الا اذا استجد تطور ما يؤشر الى أن طبخة الرئيس استوت، وهذا ما سيظهر في لقاء خماسية باريس المنتظر عقده في الرياض قريباً، وستكون هناك جوجلة للأسماء المطروحة للرئاسة في اطار التسوية، لكن البعض يرى أن الأمر ليس بسيطاً والمشكلة ليست في الخارج بل في الداخل اللبناني وقدرة اللبنانيين على تجاوز العقبات وعدم عرقلة عجلة الملف الرئاسي وتصعيد المواقف ما يتطلب وقف الصراعات بين الفرقاء التي لن تفيد بشيء في ظل التقارب العربي – الايراني الذي يحصل في المنطقة.
وبحسب ما يتردد فإن البطريرك الماروني الكاردينال بشارة بطرس الراعي لديه لائحة من 3 أو 4 أسماء، خرج منها اسم الوزير السابق جهاد أزعور كونه ليس خارج الاصطفافات السياسية.
وعليه، تشير مصادر الى أن الوضع الأمني اذا أفلت من جديد في ظل تطورات حرب الصواريخ فإن طرح اسم قائد الجيش جوزيف عون قد يعود الى الواجهة من جديد، علماً أن قطر كانت مع هذه الوجهة واقترحت اسمه في اللجنة الخماسية ولم تكن هناك مواقف رافضة لهذا الخيار لا من فرنسا ولا الولايات المتحدة.
لا ينكر أحد أهمية زيارة الموفد القطري التي قد تتكرر قريباً، وقد تكون هناك زيارة لموفد سعودي مرتبطة بالقمة العربية التي ستعقد في الرياض الشهر المقبل، وهو ما يدل على أن حركة الوفود “شغالة” علها تنتج حلاً شاملاً للأزمة اللبنانية وليس حلاً فقط للشغور الرئاسي الذي لن يؤتي ثماره اذا ما بقيت سياسة الهيمنة على قرار الدولة قائمة لتكريس صيغ غير متوازنة تضر ولا تنفع.
لبنان الكبير