هل يبقى بعد كل هذا من “طعم” لحديث الضمانات؟
هل أتاكم حديث الضمانات؟
لعل أغرب ما تسرَّب من زيارة الوزير السابق والمرشح الحالي للرئاسة سليمان فرنجية الأسبوع الماضي إلى فرنسا، هو الحديث عن ضمانات تطلبها فرنسا من فرنجية بالنسبة الى مستقبل الوضع في لبنان. وجه الغرابة في الموضوع ليس طلب الضمانات بحد ذاته، لكن الغرابة هي في أن تطلب هذه الضمانات من غير مالكها الأصلي، ومن شخص مجرد ترشيحه ودعمه من الثنائي الشيعي، يعني أنه أعطى ضمانات عكس الضمانات المطلوبة منه، وبالتالي كما يقال فاقد الشيء لا يعطيه.
ففرنسا ماكرون تطلب ضمانات من شخص ينتمي الى فريق ما صان يوماً عهداً، وهذا ليس جهلاً منها بذلك بطبيعة الحال، فهي تعرف و”تحرف” كما يقال في المثل العامي، لكنها المصالح السياسية والاقتصادية مع الفريق الأقوى على الأرض في لبنان ومع راعيه الاقليمي، هي التي تقود السياسة الفرنسية بعيداً عن مبادئ الحرية والأخوة والمساواة التي ترفعها. فالفريق الذي ينتمي إليه سليمان فرنجية والمتمثل بفريق 8 آذار بقيادة الثنائي الشيعي لطالما أعطى ضمانات داخلية على طاولات الحوار سواء في الداخل أو الخارج، ما لبث أن إنقلب عليها عندما تغيرت الظروف أو إقتضت مصلحة راعيه الإقليمي ذلك، بغض النظر عن مصلحة لبنان والشعب اللبناني، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، طاولة الحوار عام 2006 عندما أعطى “حزب الله” وفريقه السياسي ضمانات بتهدئة الأمور، وبأن الصيف سيكون واعداً، فجاءت عملية خطف الجنود الصهاينة من داخل حدود فلسطين المحتلة لتشعل حرب تموز وتنسف كل الآمال، بما خلَّفته من ضحايا وخسائر مادية هائلة قدِّرت بمليارات الدولارات.
بعدها وإبان الإعتصام الشهير في وسط بيروت، وقبل 7 أيار وإتفاق الدوحة وبعدهما، كانت هناك تصريحات متعددة للأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله عن إنتخابات نيابية جديدة وفق قانون الستين و”إللي بيربح صحتين ع قلبو”، جاءت إنتخابات 2009 وربحتها قوى 14 آذار يومها، فبدأ الحديث عن الشرعية الشعبية وكان الإنقلاب على نتائج الانتخابات عبر الثلث المعطل والوزير الملك، الذي كانت هناك ضمانات أيضاً بأنه لن ينقلب ويأخذ جانب أحد الطرفين المتنازعين، فكان الانقلاب الثاني وهذه المرة على سعد الحريري بإستقالة فريق 8 آذار ووزيره الملك من الحكومة أثناء وجود رئيسها في إجتماع مع الرئيس الأميركي باراك أوباما، في “أحقر” ممارسة سياسية يمكن أن يمارسها أحد.
في 2012 وفي عهد الرئيس ميشال سليمان تم إقرار “إعلان بعبدا” على طاولة الحوار من جميع الأطراف، فلم يكن مصيره وقبل أن يجف حبره، بأفضل من سواه من الاتفاقات والضمانات السابقة. كذلك بعد إنفجار مرفأ بيروت وقدوم ماكرون نفسه إلى لبنان وإجتماعه بزعماء “المحاور” المتقابلة، ألم يأخذ هو نفسه ضمانات وتعهدات بالبدء بعملية الاصلاح، فأين أصبحت وماذا أنتجت هذه التعهدات؟
خلاصة القول بأن كل هذه “الضمانات” وهذه الممارسات السياسية لا تخفى على الفرنسيين، ومع ذلك يطلبون اليوم ضمانات هم أنفسهم يعلمون أنها غير “مضمونة” وهي بمثابة شيك بلا رصيد، فقط لمحاولة إقناع السعوديين بمرشح الثنائي الشيعي في موقف قد يكون “رد جميل” ومحاباة مرتبطة بدخول شركة “توتال” وحماية لمصالحها في مجال الحفر والتنقيب عن الغاز، خصوصاً وأن عملها سيكون في نطاق سيطرة هذا الثنائي. ولعل “موقعة” الصواريخ الأخيرة في الجنوب، وعدم صدور أي موقف عن فرنجية كفريق سياسي لبناني عليها، هو الدليل الساطع على مدى قوة هذه “الضمانات” إذا ما أُعطيت، هذا من دون الحديث عن العقوبات الأميركية التي فُرضت في السابق على وزيره السابق في الحكومة يوسف فنيانوس، ومؤخراً على “إخوته” من آل رحمة، فهل يبقى بعد كل هذا من “طعم” لحديث الضمانات؟ في الختام نقول رحم الله الزعيم كمال جنبلاط الذي كان يمتحن المرشحين للرئاسة داخل لبنان ويعطيهم علامات النجاح، ومنهم سليمان فرنجية الجد الذي فاز بصوت واحد فقط على إلياس سركيس عام 1970، ليصبح الإمتحان اليوم في الخارج، وفي العلن أمام سفراء وممثلي دول، وهذا وحده كفيل بأن يشعر المرء بالاحباط ويفهم في أي زمان نحن نعيش، وبأنه فعلاً لكل زمان “دولة ورجال”.
ياسين شبلي- لبنان الكبير