أموال من المالديف وكلّ مكان لنساء “داعش” … ماذا يجري في هذا التوقيت بالذات؟
شهدت الأسابيع القليله الماضية تضاعف حجم طوابير الانتظار أمام الصرافات المالية داخل مخيم الهول لعائلات عناصر “داعش” في شمال شرقي سوريا. ولوحظ أن 90% من هذه الطوابير تشغلها النساء مع وجود قليل للذكور.
وفي تصريح لأحد موظفي الصرافة عبر وكالة “رويترز” للأنباء، قال إن معظم هذه التحويلات المالية للنساء تأتي من دول حدودية ومن المالديف ومن داخل إدلب، وقد تضاعف عدد الحوالات المصرفية التي تتلقاها نساء “داعش” داخل مخيم الهول في الأسابيع الماضية، لتضعنا كباحثين أمام تساؤل مهم يحتاج لإجابة واضحة: لماذا تضاعف حجم التمويل الذي تتلقاه نساء “داعش” في هذا التوقيت؟
وللإجابة عن هذا السؤال علينا أن نعرف طبيعة الدور الذي تقوم به النساء في مخيم الهول حالياً، في ظل التوترات العالمية على الصعيد الأمني والاقتصادي الذي خلفته المواجهة الأميركية – الروسية على الأراضي الأوكرانية، وتبعات جائحة كوفيد19 العالمية التي كان لها تأثير واضح في سلاسل الإمداد وحركة السفر والتنقل والتعليم والوجود الفاعل للمنظمات الحقوقية الدولية داخل المناطق الساخنة في العالم، ويتصدرها مخيم الهول في الشمال السوري الذي يضم 60 ألف عنصر من بقايا “داعش” في سوريا ودول أخرى، منها العراق. وتمثل النساء والأطفال فيه 80% من العدد الإجمالي.
نساء “داعش” أدوات الغرس الثّقافي للإرهاب
تتمثل الأزمة الحقيقية داخل مخيم الهول في غلق المراكز التعليمية التابعة للأمم المتحدة، منذ بلوغ وباء كورونا ذروة انتشاره عام 2019 وحتى الآن، ما هيأ الفرصة أمام زوجات قيادات “داعش” ليقمن بدور بديل للمعلمات التابعات للأمم المتحدة، وبعضهن من الأكراد، ويقمن بدورهن الأخطر في عملية الغرس الثقافي لمفاهيم الإرهاب داخل عقول الأطفال الذين يبلغ عددهم 28 ألف طفل من جنسيات مختلفة، وفق آخر إحصاء لعام 2023، معتمدات بذلك على تكرار بعض المصطلحات التي تحض على العنف والإرهاب وإلصاقها بعملية الجهاد وتكفير كل شخص مختلف في العقيدة وحتى الزي. وقد برز ذلك في تقرير مصور بثته قناة “العربية” لمجموعة من الأطفال يهددون المراسلة بالقتل لأنها لا ترتدي الحجاب ويلقبونها بالكافرة. بل وصل الأمر إلى حد تكفير النساء اللواتي يرتدين النظارات الشمسية والسراويل.
وقد اعتمدت زوجات قياديي “داعش” على عنصر التكرار وأمر الأطفال بتمثيل مشاهد عنف يتم فيها التدريب على كيفية حمل الأسلحة البدائية، كالسكين وآلية القتل والطعن، لغرس عقيدة “داعش” في عقول القصّر، وصناعة صورة ذهنية وترسيخها خلال فترة عمرية حرجة يعتبرها علماء النفس كالنقش على الحجر يصعب تغييرها مستقبلاً. وقد برز ذلك في قيام طفل داخل المخيم بسرقة سكين وذبح طفل آخر كان يلعب معه لأنه نظر إلى وجه سيدة طلبت منه مساعدتها في حمل الماء إلى خيمتها.
إنجاب من أجل البقاء!
هناك تقارير دولية تشير إلى قيام المهاجرات (وهن النساء الأجنبيات المنضمات إلى داعش) بإجبار الأطفال والمراهقين من عمر 13 حتى 16 عاماً على الزواج بنساء “داعش” بهدف الإنجاب، ما يشير إلى خوف الأطراف الخارجية الخفية الحريصة على بقاء التنظيم من خطر فنائه، نظراً إلى قلة عدد الذكور البالغين في المخيم، وخوفاً من انحسار الأعداد بعد قيام العراق بمبادرة لحل أزمة مخيم الهول، من خلال سحب بغداد بعض مواطنيها المنضمين إلى “داعش” من داخل المخيم أخيراً، ومطالبات دولية بإخراج الأطفال من دون أمهاتهم.
خلايا إلكترونيّة للاستمالة العاطفية وجمع التّبرعات
تشكل زوجات عناصر “داعش” النسبة الأكبر من النساء داخل مخيم الهول، وكان لهن دور خطير خلال عام 2014 بتنفيذ أكثر من 200 عملية إرهابية تحت “لواء الخنساء”. وما زلن يقمن بدور مهم في إدارة كتائب إلكترونية من النساء تنتشر عبر مواقع التواصل وتطبيقات المراسلة، وتستهدف الشباب الذكور بهدف التجنيد الإلكتروني، وكذلك النساء داخل المحادثات الجماعية عبر التطبيقات المختلفة بهدف جمع التبرعات.
وقد وجدت على هواتف النساء داخل المخيم تطبيقات لتسلم التحويلات المالية، وتم توقيف بعض عمال الإغاثة داخل المخيم بتهم تهريب أموال من المخيم وإليه ما بين 5 آلاف و10 آلاف دولار للشخص واحد. وقد تطور أداء الكتائب الإلكترونية لنساء “داعش” خلال الفترة الماضية، إذ بتن يقمن بعمل مراكز رصد استطلاع رأي عبر “تويتر”، من خلال طرح أسئلة استطلاعية للجمهور وتحليل ردود الفعل، بما يخدم أيديولوجيا التنظيم، شملت استطلاعات عن أزمة أوكرانيا.
بات واضحاً أن مضاعفة حجم التمويل للنساء داخل مخيم الهول في الوقت الحالي هي إحدى طرق مواجهة خطر انشقاق نسبة ليست بالقليلة من نساء “داعش”، ورفضهن فكر التنظيم، بعدما انكشف وجهه الحقيقي بهروب القيادات وترك النساء في دائرة النار، وخوف تلك الجهات الممولة الخارجية الخفية من طمس أيديولوجيا تنظيم “داعش” وانحساره وفقدان تأييد بعض التابعين خارج المخيم له. وهذا لا ينفي وجود نسبة لا تتجاوز 30% من النساء حالياً داخل المخيم تؤمن بأيديولوجيا “داعش”، وترى أن أبو بكر البغدادي قائد ناجح خذله بعض أصدقائه.
*سمية عسله، إعلامية وباحثة في مجال الإعلام الأمني في معهد البحوث والدراسات العربية في جامعة الدول العربية.