لبنان مشرّع للخراب والصواريخ…. وطهران الآمر الناهي!
للقدس ربّ يحميها… فمن يحمي لبنان؟
لا يمكن توصيف المشهد الإقليمي من لبنان إلا بأنه سوريالي. يقطع خصوم الأمس آلاف الأميال إلى المقلب الآخر من المعمورة لمحاولة تجاوز أحقاد الماضي وتعقيدات الحاضر من أجل تحصين مسار الانفتاح والتنمية للمستقبل، وتنشط الواقعية السياسية بين خصوم ألُداء ارتأوا تبني خيار السلام، بعدما أغرقت حروب الوكالة بينهم المنطقة في بحور من الدماء. وحده لبنان يبقى مقصياً عن هذا الحراك الجديد، لا بل يمعن في تدمير ذاتي دأب عليه منذ تخلت سلطاته عن كل صلاحياتها، واستكثرت على شعبها وطناً يشبه الأوطان.
لم تقرر دول المنطقة اختبار طريق السلام بعد دروب الآلام، عن عبث. عندما تذهب السعودية إلى الصين لاستكشاف آفاق سلام مع إيران، لا تفعل ذلك على الأرجح لأن طهران تغيّرت، ولا لأن أطماعها التوسعية في المنطقة انحسرت، وأذرعها شُلّت، وإنما لأنها ودول الخليج عموماً بدأت بناء مستقبل لا مكان فيه للمسيّرات المفخخة وقراصنة السفن والصواريخ.
في قرار الدول الخليجية، وفي مقدمها الإمارات العربية المتحدة، احتضان دمشق بعد قطيعة سنوات، نوع من “طريق ثالث” لا يكرس بالتأكيد بشار الأسد “صانع سلام”، وإن استعاد مقعد بلاده في جامعة الدول العربية، ولا يلغي تضحيات شعب انتفض على الجور والجوع قبل أن تخطف الجماعات المتطرفة صوته، وتحوّل ثورته إلى مذبحة مجانية. بعد 12 سنة من الحرب، لم يستطع أحد حسم المعركة في سوريا. لا النظام استعاد سيطرته على البلاد ولا المعارضة حققت حلم السوريين بالحرية والديموقراطية.
من هنا، يكتسب استكشاف “الطريق الثالث” أهميته مع كل من طهران ودمشق، وإن تكن مشروعةً مخاوف البعض، وخصوصاً بالنسبة إلى من عانى وصاية دمشق وتدخلات طهران ووكلائها الذين ضربوا ركائز الدولة في كل من اليمن الى لبنان وفلسطين مروراً بالعراق وسوريا.
كل شيء من حولنا يوحي بأن دينامية جديدة عنوانها “تصفير المشاكل” تتقدم في المنطقة وعلى أكثر من خط. الاثنين، يعتزم وفد سعودي وعُماني السفر إلى صنعاء للتفاوض بشأن اتفاق دائم لوقف إطلاق النار مع الحوثيين وإنهاء الصراع المستمر منذ 8 سنوات في البلاد.
وتفيد تقارير بأن وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو يلتقي نظيره السوري فيصل المقداد خلال أيام في موسكو كنتيجة للقاء الرباعي الذي جمع نواب وزراء خارجية تركيا وإيران وروسيا وسوريا. والأسبوع الماضي كان جاويش أوغلو في القاهرة، في زيارة هي الأولى من نوعها لمسؤول تركي للقاهرة منذ 11 عاماً، والتقى نظيره المصري سامح شكري.
طوال سنوات، وقف هؤلاء في معسكرات متضادة، تقاتلوا بالواسطة في أكثر الأحيان ودعموا أطرافاً مختلفة في ساحات النزاع. وكان لبنان دائماً إحدى الساحات المتقدمة لتلك الحروب. دُمّر، أُفلس، عزل، هُجّر أبناؤه بسببها. وبينما ساحات كثيرة تستعد للهدنة، ليست بيروت بينها، ويبدو أن ثمة من قرر استثناءه وإبقاءه جبهة مفتوحة، لا بل سائبة.
لا شيء قط يقاتل لبنان من أجله في هذه المعركة الأخيرة، إلا مزيداً من الدمار والهلاك. في خطة “حماس” ومن خلفها إيران، ربط الساحات في مواجهة إسرائيل وربما الولايات المتحدة، تبقى بيروت، كما غزة، ساحة متفلتة للصواريخ، في غياب دولة قوية قادرة على وقف التسيب والانفلات، وتردد دول عربية في إعادتها الى مظلتها قبل أن تتسلم هي نفسها زمام قرارها.
ربط الساحات لن يحمي القدس ولا المصلين في الأقصى، وينذر باستشراس حكومة اسرائيلية تؤوي أكثر المتشددين في تاريخ الدولة العبرية. وإذا كانت رئاسة الأركان نجحت ليل الخميس-الجمعة في تحييد “حزب الله” في الرد الاسرائيلي على صواريخ لبنان،تبقى الأيام المقبلة مفتوحة على السيناريوات الأسوأ، ما دامت منصات الصواريخ في لبنان تعمل غب الطلب.
في الايام والليالي المقبلة، سيكون للقدس، كما دائماً، رب يحميها، وسيبقى لبنان مشرّعاً للخراب والصواريخ ما دامت دولته مغيبة، و”حزب الله” وحلفاؤه الجدد القدامى، ومن خلفهم طهران، الآمر الناهي.
موناليزا فريحة- النهار العربي