تعويم نظام بشار الأسد… ولبنان أكبر المستفيدين من التطبيع مع سوريا !
يؤكد محللون أن لبنان سيكون أكبر المستفيدين في المنطقة إلى جانب الأردن من تطبيع العلاقات مع النظام السوري، وهو ما يفسر انخراط بيروت في دعم جهود عمان لتعويم بشار الأسد.
وفي هذا الصدد التقى وزير الخارجية الأردني ونائب رئيس الوزراء أيمن الصفدي بوزير الخارجية اللبناني عبدالله بوحبيب في 28 مارس لمناقشة العلاقات الثنائية والقضايا الإقليمية، ولاسيما تلك المتعلقة بسوريا.
والاجتماع مهم بالنظر إلى التحول الدبلوماسي السريع في جميع أنحاء المنطقة فيما يتعلق بالرئيس السوري بشار الأسد.
ومع ذلك، بينما يعمل الأردن على حشد الدعم لخطته “خطوة بخطوة” بشأن سوريا ، ظلت بيروت هادئة نسبيًا فيما يتعلق بدور دمشق في المنطقة. ورغم ذلك فإن للبنان مصالح جادة في سوريا ستوجه مقاربته للأسد في عام 2023 مع تصاعد المشاركة الدبلوماسية في جميع أنحاء المنطقة.
ملف اللاجئين
تطرق اجتماع وزيري الخارجية إلى القضايا التي تهم البلدين فيما يتعلق بسوريا. وناقش المسؤولان ملف اللاجئين بإسهاب، وهو موضوع صعب بالنظر إلى أعداد اللاجئين الكبيرة.
ويستضيف لبنان رسمياً حوالي 822 ألف لاجئ، مع بعض التقديرات التي تصل إلى 1.5 مليون عند النظر إلى السوريين غير المسجلين. وفي غضون ذلك يستضيف الأردن ما يقرب من 1.3 مليون لاجئ سوري.
وفي حين هيمنت قضية اللاجئين على المحادثات بشأن سوريا عززت مبادرة “خطوة بخطوة” المستمرة في الأردن تركيز الاجتماع على دمشق.
ودعت عمان بهدوء إلى انتهاج هذا النهج الذي يركز على الذوبان الدبلوماسي المتدرج مع الحكومة السورية مقابل تنازلات موازية تتكون من إصلاحات سياسية، غالبًا ما توصف بأنها حماية للاجئين العائدين إلى مجتمعاتهم، ومكافحة التهريب وتلطيف الجماعات المسلحة المدعومة من إيران داخل سوريا.
وفشلت الخطة إلى حد الآن، لأن جهود إعادة التطبيع الأردنية مع الأسد لم تبطئ التهريب على طول الحدود الأردنية – السورية ولم تطرد الميليشيات المدعومة إيرانيًّا من المنطقة الحدودية.
وبدلاً من ذلك تستمر الجهود بقيادة الإمارات العربية المتحدة في تحقيق أكبر قدر من التركيز والتقدم، وإن كان ذلك دون الكثير من الإصلاح أو الوعود السياسية الواضحة من الجانب السوري.
ومع ذلك أعرب وفد بيروت عن دعمه للمبادرة الأردنية. وفي الواقع تدعم الحكومة اللبنانية علنًا العديد من مجالات التركيز ضمن خطة الأردن، أي عودة اللاجئين.
وأوضح بوحبيب ذلك، مشيرًا إلى أن “المأساة الإنسانية ليست فقط مأساة المدنيين النازحين من أرضهم ووطنهم، ولكنها أيضًا تحد كبير للبنان على المستويات الاقتصادية والاجتماعية وخاصة السياسية والأمنية”.
وركزت الحكومة اللبنانية بشدة على اللاجئين السوريين في السنوات الأخيرة لتحميلهم مسؤولية انهيارها الاقتصادي الوحشي عوض تحميلها للنخب التقليدية في البلاد. ويرى مراقبون أن ذلك مغالطة مستمرة تهدف إلى توفير كبش فداء.
ومع ذلك فإن القضايا الأخرى المرتبطة بالملف السوري لها أيضًا أهمية كبيرة بالنسبة إلى لبنان. وهذا يشمل رغبة عامة في الاستقرار في جارتها الشرقية، لاسيما في ظل الترابط العميق بين البلدين.
وفي الواقع غالبًا ما يؤدي عدم الاستقرار في أحد هذين البلدين إلى نتيجة مماثلة في الآخر، وأفضل مثال على ذلك هو أزمة العملة اللبنانية التي أدت إلى مشاكل نقدية مماثلة في سوريا خلال السنوات الأخيرة.
يسير الترابط والاستقرار أيضًا جنبًا إلى جنب مع مصلحة لبنانية أساسية أخرى؛ وبالتحديد إتمام وتنفيذ صفقة طاقة تم التفاوض عليها في أواخر عام 2021 بين لبنان وسوريا والأردن ومصر.
والأهم من ذلك ساعد المسؤولون الأميركيون على التوسط في الصفقة.
ويحدد الاتفاق الإطار لقرض قيمته 300 مليون دولار من البنك الدولي لتمويل إصلاحات خط الغاز العربي في سوريا، والتي من شأنها أن تسهل جزئيا تدفق الغاز من مصر والأردن إلى سوريا وشمال لبنان.
والصفقة معطلة حاليًا بسبب الإصلاحات اللبنانية المتأخرة لقطاع الكهرباء والمراجعة المفترضة والمستمرة للعقوبات الأميركية.
وقد رفضت كل من مصر والبنك الدولي حتى الآن البدء في تنفيذ الصفقة دون تأكيد واشنطن أنها لا تنتهك نظام العقوبات على سوريا وإصلاحات بيروت لأنظمة الكهرباء غير الفعالة.
وعلى وجه التحديد يتعلق القلق بالتفاصيل الواردة في الاتفاقية التي تنص على نسبة صغيرة من الغاز للحكومة السورية كنوع من الدفع مقابل قسمها من خط الأنابيب. وفي الوقت الحالي لا تسمح العقوبات الأميركية بأي واردات أو استثمارات لقطاع الطاقة في سوريا.
وبالنظر إلى هذه المصالح وعلاقتها الوطيدة باستقرار لبنان الشامل -أو البقاء السياسي فيما يتعلق بالاتهامات الكاذبة ضد اللاجئين السوريين- تهتم بيروت كثيرا بعودة سوريا إلى الحظيرة الدبلوماسية الإقليمية.
مقيدة بالتقسيم الداخلي
من المحتمل أن ينظر القادة اللبنانيون إلى خطة عمان “خطوة بخطوة” على أنها آلية جدية لمثل هذه الاحتمالات، حتى لو كانت عناصر مكافحة التهريب تلحق ضرراً مباشراً بفصائل لبنانية معينة (حزب الله).
ومع ذلك، يبقى أن نرى ما إذا كان لبنان ينظر إلى “خطوة بخطوة” على أنها آلية لتحولات دولية أوسع نطاقا في سوريا.
من المؤكد أن المشهد السياسي في لبنان أبعد ما يكون عن التماسك مثل أي سياق في جميع أنحاء العالم.
والكثير من السكان معادون بشدة لسوريا ومعادون للأسد، وبالتحديد تحالف 14 آذار المكون من القوات اللبنانية وحزب الكتائب والعديد من النواب المستقلين والأحزاب الصغيرة وتيار المستقبل الذي يهيمن عليه السنة. وتتعارض هذه الأحزاب مع تحالف 8 آذار الموالي لسوريا بقيادة حزب الله والمكون من حركة أمل والحزب التقدمي الاشتراكي والتيار الوطني الحر.
ويرى أعضاء تحالف 14 آذار أن أي خطوة من هذا القبيل تعتبر ملائمة لدمشق، لاسيما في خضم الجدل الرئاسي المستمر الذي شهد أن عضو البرلمان (النائب) سليمان فرنجية المدعوم من حزب الله والمؤيد بشدة للأسد أصبح المرشح المحتمل للرئاسة اللبنانية.وليس بعيد المنال التكهن بأن الآراء السلبية لفرنجية تترجم بشكل مشابه إلى أي تعامل مع الأسد، والعكس صحيح، بالنظر إلى الخوف الشديد والاستياء من الاحتلال السوري في الماضي. ومع ذلك لا يعتبر أي تحالف بالضرورة وحدة متجانسة أيضًا.
وفي نهاية المطاف يتمتع حزب الله بأكبر قدر من القوة والنفوذ في لبنان ويمكنه بسهولة أن يملي ليس فقط النتيجة الرئاسية ولكن أيضاً ارتباط بيروت بدمشق.
ومع ذلك فإن للحكومة اللبنانية تأثيرا ضئيلا جدا على الإجراءات الإقليمية المتعلقة بسوريا بالنظر إلى حجم التدخل الأجنبي في شؤونها الداخلية.
ولهذه الأسباب من المرجح أن يظل لبنان في ظل جهود إعادة التطبيع الإقليمية الأوسع المرتبطة بنظام الأسد مع التركيز كثيرا على ملف اللاجئين السوريين في المدى القريب، بغض النظر عن دعمه لجهود الأردن.
العرب