“الصواريخ اللقيطة: لبنان مجرّد ساحة يحكمها “حزب الله”!

في التوزيع الطبقي الذي يعتمده “حزب الله” في التعاطي مع السياسيّين اللبنانيّين، هناك فئتان: الأولى، وهي مفتوحة للجميع، تتصل بكل ما له علاقة بالشؤون اللبنانيّة الداخليّة، والثانية، وهي محصورة بـ”الكبار”، حيث يتم اتخاذ قرارات الحرب والسلم!

وهكذا، على خلاف الشؤون السياسيّة، فإنّ إدارة المواجهة مع “صنوف الأعداء” هي “امتياز حصري” لـ”حزب الله”، حيث على الآخرين، مهما كانت مناصبهم رفيعة أو شعبيتهم كبيرة، أن يصطفوا في مقاعد المتفرّجين، فإذا صفّقوا كانوا وطنيّين، وإذا تململوا كانوا “عملاء لإسرائيل”!

ولهذا، فإنّ الجغرافيا اللبنانيّة يمكنها أن تكون ميداناً مفتوحاً، بالتوقيت الذي يناسب “حزب الله”، لكمية كبيرة من الصواريخ التي لا يعترف أحد بأبوّتها، على الرغم من أنّ “محور الممانعة”، يرفعها ليس فقط إلى مراتب البطولة والشهامة والمقاومة والتصدّي، بل حتى الى مستوى… إنهاء وجود “الكيان الصهيوني المغتصب”!

وعليه، فإنّ لبنان، بمفهوم “حزب الله”، هو ساحته، وله يعود تقدير التوقيت الأنسب لاستعمالها، ضدّ من يرغب بمواجهته، غير آبه بأحد، وغير معني بما يتسبّب به سلوكه من خسائر إضافيّة لدولة تعاني وشعبها الويلات!

وكان “حزب الله” يجهّز العدّة للحظة المناسبة، من أجل توجيه ضربة إلى إسرائيل، ردّاً على الغارات الإسرائيليّة التي تستهدفه و”الحرس الثوري الإيراني” في سوريا، وقد صدر أمر العمليات، قبل أيّام قليلة، عندما قتلت غارة إسرائيليّة ثلاثة مستشارين من “الحرس الثوري الإيراني”، إذ تناغمت مواقف “الحرس” والحكومة الإيرانيّة، لجهة وجوب “الانتقام” في الزمان والمكانين المناسبين!

قبل ذلك، كانت تمر الغارات الإسرائيليّة على المواقع الإيرانيّة، بصمت. يومها، لم تكن إسرائيل تعيش واحدة من أسوأ انقساماتها الداخليّة على الإطلاق، ولم تكن “حركة حماس” قد عادت كليّاً الى الحضن الإيراني بعد ترك الملف السوري وراءها كما كانت قد فعلت “حركة الجهاد الإسلامي”، ولم تكن في إسرائيل حكومة ارتكب متطرّفوها كل الموبقات السياسيّة والأمنية التي أثارت العرب والمسلمين ومعتدلي العالم.

بمعنى آخر، فإنّ المكان المناسب، أي لبنان وغزّة، كما جرت عليه العادة الإيرانيّة، كان مناسباً، وكان يكفي لتراكم هذه العوامل، ليصبح التوقيت، هو الآخر، مناسباً!

أمّا اللبنانيّون الذين اعتبروا أنّ دولتهم ليست المكان المناسب للرد الإيراني، إذ إنّهم يرفضون تحويل أراضيهم إلى ساحة تصفية حسابات إقليميّة، وهم الذين اختبروا نتائجها، على مدى عقود، مع منظمة التحرير الفلسطينيّة، فلا أحد يعير أصواتهم اهتماماً، فجيشهم يقف، في هذه المسائل، على حياد ظاهري، ولكنّه، في الواقع، يلتزم بفتح الطريق أمام ما يأمر به “حزب الله”، وإسرائيل لا يعنيها هؤلاء “الخبثاء”، فهي و”حزب الله” يتبادلان الخدمات التي يتبادلها الأعداء، عادة، ويفهم واحدهما على الآخر، و”الأشباح” المنصّبون رؤساء ومسؤولين يدينون بكراسيهم لـ”حزب الله”، والمجتمع الدولي ينصت الى “اليونيفيل” التي تهتم بما يقوله المتقاتلون حصراً، لأنّها بالاسم “قوات حفظ سلام” ولكنّها، في الواقع، قوات تهدئة… الساحة!

ونظراً لهذه الحقائق، فإنّ ما حصل في الساعات الأخيرة، له فائدة، على الرغم من أضراره على القطاع الوحيد الذي لا يزال يدخل عمولات صعبة على البلاد، أي السياحة، إذ إنّه يثبت لسائر اللبنانيّين، بعدما غرّتهم الألسن المعسولة، أنّ بلادهم، وخلافاً لكل الدعايات السابقة، لا تزال أسيرة “معادلات الساحة”، وهم يهدرون طاقاتهم في صراع مقيت من أجل أهداف وهميّة، إذ إنّ الجميع، مهما تمتّعوا به من القوة أو من الحكمة، لن يكونوا سوى أشباه حكّام، في حين أنّ إنقاذ لبنان من هذا الأسر من شأنه أن يجعل حتى أشباه الرجال حكّاماً فعليّين!

كثيرة هي الدول التي ساءها السلوك الإسرائيلي المتطرّف مع الفلسطينيّين ومع المقدّسات الإسلامية، وبينها دول معنيّة مباشرة بهذه المسائل، كحال المملكة الهاشميّة الأردنيّة، ولكنّ ولا واحدة منها ارتضت، باسم مناصرة هؤلاء المظلومين، أن تتخلّى عن سيادتها لـ”صواريخ لقيطة”!

لو لم يكن لبنان ساحة، لكان الأنشط في مناصرة الفلسطينيّين ضد السلوك الإسرائيلي، سواء في الدبلوماسيّة أو في الإعلام أو في المنتديات الثقافية، ولكن، بما أنّه ساحة، فإنّه نسي المظلومين الفلسطينيّين وركّز على مظلوميّته هو، وعلى مصائبه هو، وعلى الاستكبار الذي يتحكّم به هو، ففي حين يناضل الإسرائيليّون حتى لا يتحوّل نتنياهو الى “ديكتاتور”، والفسلطينيّون الى “رقيق”، يناضل اللبنانيّون حتى يقبل “حزب الله” بتخفيف شيء من “طغيانه” الذي يضعه في خدمة “الأجندة الإيرانيّة”.

على أيّ حال، وفي انتظار أن يحقق اللبنانيّون معجزة دحرجة الحجر عن “الساحة-القبر”، فإنّهم، بعدما كانوا قد سقطوا في الجحيم المالي والاقتصادي، باتوا يقفون، حالياً، على باب الجحيم العسكري، إذ إنّه، من اليوم وصاعداً، لا أحد يعرف متى تندلع حرب جديدة بين “محور الممانعة” المتربّع على عرش القرار في لبنان، من جهة وبين إسرائيل التي تترقّب الأسابيع القليلة التي ستتمكّن خلالها إيران من تخصيب الوقود الى المستوى الذي يجعلها قادرة على صناعة قنبلتها النوويّة، من جهة أخرى!

فارس خشان- النهار العربي

مقالات ذات صلة