لا صوت يعلو فوق هدير مروحة الرسائل الصاروخية… ويا مرسال المراسيل…!
يبدو أن لبنان عاد جبهة استنزاف مفتوحة، تشتعل أو تخمد غبّ الطلب خدمة لغايات متعددة… فقراءة مفاعيل الرسائل الصاروخية التي انطلقت من الجنوب الصامد تفتح الباب أمام مستويات وسقوف لا بد من التوقف عندها.
على الصعيد الداخلي اللبناني، واضحة، إلى حد ما، أهداف الرسائل… فقد عاد “حزب الله” ليُذَكِّر بأنه القابض على قرار السلم والحرب في لبنان. وعلى من نسي، أو حسب، أن صفحة هذا القرار انتهت مع ترسيم الحدود البحرية بموافقته ومباركته، هو غشيم مبتدئ في فنّ المناورات. وأوهامه بالتمكّن من ممارسة الضغط الداخلي على الحزب نتيجة الأزمات القائمة في لبنان، ورفض الانصياع للحاكم بأمره، تطيح بها منصّة جوّالة تتنقّل بين قرى لا تخضع للدولة وجيشها، وبكبسة زر تنسف مفاعيل القرار 1701… ولعلّ في إعادة افتتاح الجبهة ما يفتح أذهان المتوهّمين بأن عنترياتهم بشأن الاستحقاق الرئاسي أضغاث أحلام.
أما على الصعيد الخارجي، فالمروحة أوسع من الصواريخ، وتحديداً في ضوء الاتفاق السعودي – الإيراني، وقد تدخل قراءتها في تكهّنات متناقضة، بعضها يصبّ في منحى خلافات أجنحة الممانعة حيال هذا الاتفاق، لا سيما إذا ما صحّت التحليلات بشأن المواجهة التي حصلت بين إيران والولايات المتحدة في سوريا، والتي فسّرت على أنها تصعيدٌ متعمّدٌ من أذرع رافضة لهذا التقارب، أو لجهة ما تردّد عن توجّه إسرائيلي لضرب إيران في عمقها، الأمر الذي استوجب إطلاقاً رسميّاً لنشاط غرفة العمليات العسكرية المباشرة المفعّلة بين قوى المقاومة، ما يعني أن الردّ هو تعبيرٌ عن موقف موحّد لكل هذه القوى، بمعزل عن الجهة التي أطلقت الصواريخ بشكل مباشر.
ولبنان، كما جرت عادة الممانعة، يبقى تفصيلاً تافهاً على هامش القضية الأم، التي إذا ما انتهت، أنهت معها الحاجة إلى وظيفة الصّواريخ وفائض القوة، لذا جاءت الرسالة في وقتها تماماً، لتعيد تعويم الوظيفة والموظفين.
فالمعطيات المتعلقة بوجود الحزب، والأسئلة التي بدأت تطرح نفسها حول جدوى هذا الوجود، كانت تحتاج إلى إبرة في الشريان لتحسين أوراق الداخل والخارج على حدّ سواء…
وكأنّ كلّ ما كان ينقص اللبنانيين ليتكمل نعيمهم هو العودة إلى ما قبل العام 1975، وإلى بيانات العدو الصهيوني على وزن ما أعلنه بيان الجيش الإسرائيلي من أنّه “هاجم أهدافاً تابعة لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) في لبنان، وكّثف ضرباته على قطاع غزة، فجر الجمعة”.
والأهم أن هذا العدو حمّل الدولة اللبنانية “مسؤولية إطلاق النار من أراضيها”، مع ما يعنيه ذلك من تداعيات تهدّد ما تبقّى من منشآت عامّة عاملة في إدارات الدولة، لا سيما إذا شكّل العدوان على لبنان خدمة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المأزوم… والمحتاج بدوره إلى إبرة في الشريان لعلّه يفكّ أزمته.
وحتى يكتمل النقل بالزعرور، وفي أوّل تعليق على القصف الإسرائيلي، دانت حركة “حماس” بـ”أشدّ العبارات العدوان الإسرائيلي السافر على لبنان باستهدافه محيط مدينة صور”. كذلك أكد رئيس المكتب السياسي للحركة، إسماعيل هنية أن “الشعب الفلسطيني وفصائل المقاومة لن يقفوا مكتوفي الأيدي أمام العدوان الغاشم” للاحتلال الإسرائيلي على المسجد الأقصى، عقب اجتماع هنية مع الأمناء العامين لفصائل المقاومة الفلسطينية في بيروت الأبية…
ويا مرسال المراسيل… يمكنك أن تصول وتجول في ساحتنا المستباحة، وتوجّه الضّربات التأديبية والتذكيرية، ولن تجد إلا بياناً يتيماً عقيماً من الحكومة المستقيلة، العاجزة عن مواجهة قواعد اشتباك جديدة وفق متطلّبات تعويم الوجود على جانبي الحدود.
وفي الانتظار، فليخرس الواهمون… لأن لا صوت يعلو فوق هدير مروحة الرسائل الصاروخية…
سناء الجاك- نداء الوطن