لبنان علبة البريد الأمني الإقليمي: رشقات صاروخية على إسرائيل مجهولة معلومة!
عاد لبنان ليلعب دور علبة البريد الأمني الإقليمي. الرشقات الصاروخية على إسرائيل التي يصر كل من “حزب الله ” وإسرائيل، والجهات الأمنية اللبنانية الرسمية على تحميل “فصائل فلسطينية” مسؤوليتها هي من الناحية العملية مسؤولية “حزب الله” كفصيل من فصائل “فيلق القدس” الإيراني. ليس هناك أي تفسير آخر لما حدث ولتوزيع المسؤوليات. فالمنطقة هي منطقة واقعة تحت نفوذ “حزب الله” بشكل تام وحاسم. ويستحيل أن يتم إطلاق صاروخ واحد منها من دون قرار من “حزب الله”. لا بل لا يمكن أن يكون حصل فقط بعلم من الحزب المذكور. ما حصل هو قرار اتخذته قيادة “حزب الله” ونفذ بـ”رعاية” منه. وقد تكون حركة “حماس” أو غيرها من الفصائل الفلسطينية الأصغر نفذته. لكن لـ”حزب الله” حصته في العملية. إسرائيل تعرف ذلك، وهي تحاذر التورط في عمل عسكري قد تُستدرج إليه مع “حزب الله”، ولذلك فهي تؤثر تحميل “حماس” المسؤولية وتجنب الصدام مع “حزب الله”، واستطراداً مع إيران التي تجري مصالحات مع العرب في العديد من مسارح الصراع الإقليمية. من هنا نقول إن القضية لا تخرج عن نطاق الرسائل المتبادلة بين تل أبيب وطهران عبر صندوقة البريد اللبنانية. ولا يغيب عن البال أن الأسبوع الماضي شهد ضربات جوية إسرائيلية قاسية على مواقع يتمركز فيها عناصر ومسؤولون من “حزب الله” و”الحرس الثوري” الإيراني في سوريا، أدت إلى قتل العديد منهم. كما أن حرب الظلال الإسرائيلية – الإيرانية قد تشكل أحد الأسباب التي دفعت الإيرانيين إلى السماح لـ”حزب الله” بتنظيم عملية إطلاق الرشقات الصاروخية مع تحميل مسؤوليتها لـ”فصائل فلسطينية” لا تزال مجهولة الهوية، مع أنها تتنقل بحرية تامة بين القطاعين الغربي والشرقي من الجنوب اللبناني من دون أن يعترضها أحد في منطقة معروفة أنها أشبه بسجن كبير يحرسه مسلحو الحزب المشار إليه.
إذاً نحن أمام عملية لتبادل الرسائل بين طرفين إقليميين، انطلاقاً من الأراضي اللبنانية. وعندما نقول إنهما إقليميان فنحن نعني إسرائيل وإيران. أما بالنسبة إلى “حزب الله” فهو لا يملك حرية القرار بالتورط في أي احتكاك مع الإسرائيليين من دون العودة إلى مرجعيته الإقليمية. فالهوامش المعطاة لـ”حزب الله” أضيق من أن تسمح له بمغامرات عسكرية من هذا المستوى. وهي تقتصر على البعد اللبناني لا البعد الإقليمي الذي قد يبدأ في منطقة الجليل، لكنه قد يصل إلى قلب طهران نفسها، كما حصل أكثر من مرة خلال الأشهر القليلة الماضية.
وسط كل ما يحصل، ثمة غائب أكبر ألا وهو الحكومة اللبنانية الأشبه بمجلس بلدي محلي يعمل ضمت فتات الهوامش التي يمنحها لها “حزب الله”. ولذلك شهدنا رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي متفرجاً، يتجاهل خطورة ما حصل من اعتداء على السيادة اللبنانية أولاً، مكتفياً بإجراء اتصالات مع جهات دولية تفادياً للتصعيد! نستنتج من ذلك كله أن حادثة إطلاق رشقات صاروخية من لبنان باتجاه إسرائيل، أياً تكن الأعذار والمبررات التي تساق حولها، تؤكد مرة جديدة أن طرح مسألة السلاح الميليشوي غير الشرعي في لبنان ضرورة وطنية، كما أن طرح موضوع سحب السلاح الفلسطيني وتفكيك القواعد العسكرية الفلسطينية في لبنان التي كان جرى الاتفاق بشأنها على طاولة الحوار الوطني اللبناني قبل سبعة عشر عاماً، يجب أن يكون جزءاً من برنامج مطلق أي حكومة مقبلة، مباشرة بعد انتخاب رئيس جمهورية.
علي حماده- النهار العربي