الدولة انتهت بالتّمام والكمال: توقيع ورقة قد يكلّف 12 مليون ليرة
“بزيارة بسيطة” لبعض الدوائر الرسمية والعامة، وباطّلاع على ما يحدث فيها من رشاوى بالملايين، وبالدولار “الفريش”، ندرك أن الدولة انتهت بالتّمام والكمال.
حالة طبيعية؟
فإتمام مهمّة بسيطة، أو إنجاز معاملة من المُفتَرَض أنها عادية، قد يكلّف ما يتجاوز الـ 12 مليون ليرة، وقوفاً على رجل واحدة، وفي أقلّ من دقائق معدودة. وأما إذا كانت الرغبة بـ “التشبيح” كبيرة، فقد يُصبح مستحيلاً إنجاز أي شيء، إذ إن الرشوة ستُطلَب بالدولار “الفريش”، أو بما يوازيها من الملايين اللبنانية الكثيرة جدّاً جدّاً جدّاً.
وللّذي يتعذّر عليه دفع أي رشوة، “باللبناني” أو “بالدولار”، فلا بدّ من إخباره بأن من الأفضل له أن لا يدخل دائرة رسمية، لأن ذلك سيُعتَبَر مُوازياً لمن يدخل الجحيم.
ولكن ما هو هذا المواطن “الرّاشي”، وهذا الموظّف “المُرتشي”، وهذه الدولة التي تتفرّج على ميزانيات يومية من الرشاوى “تسرح وتمرح” في إداراتها، وكأنها حالة طبيعية؟
فوضى
شدّد مدير عام الاستثمار السابق في وزارة الطاقة، والخبير في مجال مكافحة الفساد غسان بيضون، على أن “مسؤولية الممارسات الفوضوية تقع على عاتق الدولة، التي لا تُجيد إدارة مؤسّساتها وإداراتها وأجهزتها الرقابية. فالانحراف الأساسي موجود لدى الدولة وفيها، إذ إنها تُهمل القطاع العام، ولا تعرف ماذا تريد منه”.
ولفت في حديث لوكالة “أخبار اليوم” الى أن “الموظّف الفاسد والمواطن “الرّاشي” يستغلان غياب الدولة عن تأمين الخدمات، وانعدام رقابتها، ومن هنا تأتي الرّشوة. فبظروف الفوضى تنشط قلّة الأخلاق، وهذا طبيعي، رغم أنه غير مُبَرَّر ولا بأي شكل من الأشكال”.
غياب الدولة
وأشار بيضون الى “أننا نعيش مفاعيل سنوات طويلة من الإهمال. فقبل اندلاع الحرب الأهلية، كان أداء الإدارات والبلديات جديّاً ومُحترماً. كما كان الجميع يخاف من التفتيش، ومن ديوان المحاسبة، ومن أي إجراء رقابي رسمي. وأما خلال الحرب، فقد تلاشت قدرة الدولة على ممارسة الرقابة، وبدأت العشوائية تكبر، ومعها التراخي بكل شيء. وتركت الدولة موظف القطاع العام “يدبّر حالو”، فبدأ زمن الرشاوى يزداد أكثر فأكثر”.
وأضاف:”بعد نهاية الحرب، تأسّست وزارة الإصلاح الاداري التي أُعطِيَت أسماء مختلفة في كل مرة، ولكن من دون أي نتيجة على صعيد إعادة هيكلة الإدارة، وإعادة النّظر بحجمها ودورها. وزادت المؤسّسات العامة في إلقاء أعباء عجزها على المواطن، الذي راح يشتري الخدمات التي من المُفتَرَض أن يحصل عليها من دولته، (راح يشتريها) من خارج الدولة، ومن القطاع الخاص، بشكل مُرهق له بالكلفة، وبالوقت. وبتلك الطريقة، بدأت سوق الرشوة في مؤسسات الدولة من أجل إنجاز المعاملات تزداد أيضاً، ووصلت الى القضاء نفسه، الذي يخدم “الراشي” بالمماطلة، وبتمييع الملفات والدعاوى، وبخلق اجتهادات تمنع الوصول الى خواتيم عادلة في أي ملف. فزادت الرشاوى والفوضى بسبب الدولة التي تسبّبت بهذا الفساد”.
وختم:”الرشوة مُخالِفَة للقانون والطبيعة طبعاً، ولا عذر لدى “المُرتشي” و”الرّاشي”. ولكن تستشري تلك الممارسات في كل مرّة تغيب فيها الدولة عن دورها في تأمين الخدمة للمواطن. فهي تضعه تحت ضغط الحاجة الى إنجاز معاملاته وحلّ مشاكله بما يتيسّر له من طُرُق، فتنمو فرص دفع الرشاوى من جانبه (المواطن)، وطلبها من جانب موظّف الدولة”.
اخبار اليوم